رئيس التحرير
عصام كامل

الشعراوى إمام رغم أنف الكارهين

كالعادة وكما هو متبع في مثل هذا التوقيت من كل عام، بدأت الحملة السنوية الممنهجة والمقصودة التى يقودها ويحركها توافه وكارهون، للنيل من قدر وقيمة إمام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوى والتشكيك فيما قدمه من علم وفكر وسطى مستنير، يختلف عما يروج له مهاجموه من إلحاد وشذوذ.

 

وعلى الرغم من سطحية وزور محتوى تلك الحملات الممنهجة، وضآلة وتفاهة محركيها، إلا أن المداومة السنوية علي إثارتها منذ رحيل الشيخ الشعراوى فى 17 يونيو عام 1998 جعلته بالفعل العالم الإسلامى الوحيد الذى يتعرض على مدار التاريخ لمثل تلك الهجمات الشرسة بعد وفاته، والتى وصلت إلى حد وصفه بالدجال، والسطحى، والبوق لتسويق الفكر الوهابى، دون الوضع فى الاعتبار -إن كان له أخطاء- أنه كان بشرا غير معصوم، ومن الجائز أن يصيب ويخطىء.

 

ورغم كل حملات التشكيك والطعن المتعمدة التى طالت إمام الدعاة على مدار 24 عاما، إلا أنه يكاد يكون هناك إجماع من المسلمين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، على قدره وقيمته، وأنه كان الأقدر والأجدر على لم شمل الأمة، ووأد عشرات الفتن والكوارث التى ألمت بها على مدار السنوات الماضية، في حاله ما أمد الله في عمره ومنحه طول الأجل حتى اليوم، وذلك بما من الله عليه من فصاحة وبراعة وسلاسة فكر، جعلته يثرى المكتبة الإسلامية بفيض هائل من المؤلفات والخواطر، مازالت تجرى بيننا كنهر عذب يروى عطش القلوب بفيض من الفكر الإسلامي الوسطى المستنير.

 

حملات ممنهجة

 

ولعل ما يدعو للأسف فى تلك الحملات الممنهجة التى عادة ما تستهدف الشيخ الشعراوى فى ذكرى وفاته، أنه يكاد يكون العالم الإسلامي الوحيد، الذى استغلته كل التيارات سياسيا فى مصر -زورا وعن عمد- بعد رحيله، حيث تسابق الجميع بلا استثناء لاقتطاع أجزاء من أحاديثه وتوظيفها في السياق الذى يتماشى ومصالحهم، حتى وإن جاءت مختلفة في معناها عما قاله الرجل في الحديث الأصلي، على طريقة "لا تقربوا الصلاة" وهو ما جعل الرجل يتعرض لحملات تشويه وطعن متلاحقة.

 

وهو الأسلوب الرخيص الذى لجأ إليه أعداء الشيخ محمد متولي الشعراوى عندما قاموا باقتطاع جزء لا يتعد ثوان من حديث طويل، تطرق خلاله لرد فعله كرجل دين من حدثى الهزيمة والنصر في حربى 1967 و1973 غير أنهم اكتفوا بتقديم جزء مقتطع من سياقه ومعناه قال فيه "أنه سجد لله شكرًا عندما سمع بخبر هزيمة الجيش المصري في عام 1967".

 

وهو ذات الابتزاز الرخيص الذى مارسته الجماعات الجهادية المتطرفة مع إمام الدعاة، عقب بعض العمليات الإرهابية الخسيسة التى استهدفت الأبرياء، وإلحاقها مباشرة ببث مقطع فيديو لا يزيد على ثوان، مقتطع أيضا من حديث مطول تحدث فيه عن مواصفات الشهيد، مما جعل المعنى المعروض يختلف تماما عن المعنى الذى ذكره الرجل في حديثه الأصلى، وإظهاره زورا فى صورة المؤيد لقتل الأبرياء.

 

المحزن أن يتعرض الشيخ الشعراوى لكل هذا التشوية السنوى المتعمد، وسط صمت ونكران من الجميع لكافة المواقف المشرفة التى لعبها الرجل من أجل تجنيب البلاد كثيرا من الفتن، وأشهرها تدخله بشكل مباشر لوقف المواجهات التى اندلعت بين الدولة والجماعات الإسلامية في الثمانينيات من القرن الماضي، والتي أمطرت الجماعات الجهادية خلالها مصر بالعشرات من الانفجارات والقتلي والاغتيالات، وحينها قام إمام الدعاة الشيخ الشعراوى بجمع أشهر علماء مصر، وتبنى ما عرف بـ “بيان العلماء” غير أن مواقفه لم تمنع السفهاء من اتهامه بأنه كان يروج للتطرف من خلال فكر رجعى متخلف ومناهضة للعلم والتقدم.

 

وللأسف  كل الجهلاء الذين يهاجمون الإمام الراحل، قد جهلوا كل مواقفه المشرفة فى مواجهة السلطة، والتى قلما تخرج عن رجل دين، وأبرزها رفضه قيام الرئيس السادات فى خطاب شهير بسب الشيخ المحلاوي إمام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، بالقول: “أهو مرمى في السجن زى الكلب” وهو الأمر الذى أغضب الشيخ الشعراوى حينها، وقام بإرسال برقية استنكار للرئيس، قال فيها: “سيادة الرئيس، يجب أن تعلم أن الأزهر لا يخرّج كلابا، ولكنه يخرّج علماء أفاضل ودعاة أمجادًا”.

 

 

كما رفض الفقيه الراحل، أن يكون جزءا من زفة النفاق التى أحاطت بالرئيس الراحل مبارك عقب نجاته من محاولة الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها فى أديس أبابا، وقال له أمام جمع من علماء الأزهر: “لن أنافقك وأنا أقف على عتبة دنياي، إن كنت قدرنا نسأل الله أن يعيننا عليك. وإن كنا نحن قدرك نسأل الله أن يعينك علينا.

رحم الله إمام الدعاة رغم أنف الكارهين، وأبقى صوته الوهن الرقيق يخرج علينا بفيض علمه، وكأنه مازال حيا، يواكب بأحاديثه كافة الآلام وانكسارات المسلمين.. وكفى.

الجريدة الرسمية