جمال مبارك.. تريث
لا يختلف اثنان على أن ثروة ال مبارك التى أفرجت النيابة السويسرية عنها خلال الأسبوع الماضى قد أصبحت "مشروعة قانونا" ولا يحق لى أو لأى من المصريين التشكيك فى مشروعيتها، حتى وإن كان لدينا يقين بغير ذلك، غير أن الخروج المتسرع لجمال مبارك فور صدور قرار النيابة السويسرية فتح الباب على مصراعيه لتأويلات وشائعات كان وأسرته فى غنى عنها، بعد أن بدا خلال الفيديو المصور الذي بث وكأنه "يخرج لسانه للمصريين" أو كأنه يقول للجميع "ها نحن قد انتصرنا".
فخلال الأسبوع الماضي، قررت النيابة السويسرية الإفراج عن أموال الرئيس الأسبق حسني مبارك المجمدة بالبنوك السويسرية منذ عام 2011 والتى تبلغ 400 مليون فرنك سويسري - ما يعادل 429 مليون دولار - بعد أن كانت قد أفرجت فى وقت سابق عن 200 مليون فرنك سويسري - ما يعادل 214.5 مليون دولار - وهى مبالغ تعادل فى مجموعها ما يقرب من نحو 12 مليار جنيه مصري.
بل والأكثر من ذلك، أن محكمة العدل الأوروبية ألزمت مجلس الاتحاد الأوروبي بدفع كافة التكاليف التي تكبدها آل مبارك في الدعوى القضائية المتعلقة بطلب تعويضات مقابل الأضرار التي لحقت بالعائلة بسبب أموالهم التي تم تجميدها لسنوات.
ظهور مفاجئ
وعلى الرغم من أن خبر الإفراج عن أموال أسرة مبارك كان من الممكن أن يمر كغيره من الأخبار الاستفزازية التى تتوالى علينا بشكل يومى، إلا الظهور المفاجئ لجمال مبارك الذى كان قاب قوسين أو أدنى من وراثة حكم أبيه، قد أثار غضب الاغلبية العظمى من المصريين، ولاسيما وأنه حاول خلال الفيديو المصور تبرئة ذمة أسرته من الاتهامات التي لاحقتها بالفساد طوال السنوات الماضية، بعد إعلان النيابة السويسرية عن إغلاق ملف التحقيقات فى مصدر أموال مبارك وشخصيات محسوبة على نظامه، لعدم كفاية الأدلة بوجود اتهامات تتعلق بغسيل الأموال.
ولأننى لست هنا بصدد الإساءة لأسرة الرئيس الراحل، إلا أن الإنصاف يحتم القول إن جمال مبارك الابن لم يكن موفقا فى خروجه، ويجعلنى ألتمس العذر لكل المصريين في كل ما ذهبوا إليه من تأويلات –حتى وإن كانت خاطئة– لا لشيء سوى أن ظرف وتوقيت البيان جاء خاطئا للغاية، ولم يتم دراسة عواقبه بدقة، وأغلب الظن أنه خرج بقرار منفرد جمال مبارك شخصيا ودون استشارة المقربين، وكان من الممكن أن يسمح بما هو أكثر من ذلك من شائعات وتأويلات.
فالواقع يقول: إن قرار النيابة السويسرية جاء على العكس تماما من قناعات اغلب المصريين بعدم شرعية تلك الأموال أو أحقية ال مبارك فيها، وفى توقيت تمر فيه مصر بظروف اقتصادية أثرت بالسلب على صميم حياة الفقراء الذين يعانون الأمرين للحصول على قوت يومهم، وفجأة خرج عليهم جمال مبارك ليقول لهم ها نحن قد حصلنا على مليارات الجنيهات وبالقانون.
وكان من الطبيعى أن يولد الموقف مشاعر سلبية لدى الأغلبية العظمى من المصريين ظهرت بوضوح من خلال تعليقاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، طالت جمال، والأسرة، وكل الحكومات التى تعاقبت على مصر بعد يناير 2011 والتى حملها البعض مسئولية ضياع تلك الأموال، لتقاعسها عن تقديم ادلة دامغة للقضاء المصري تمكنه من إصدار أحكام غير مشوبة بالعوار تدين مبارك ورجاله بتهم الكسب غير المشروع وغسيل الأموال، تمكن السلطات المصرية من الاستناد عليها أمام السلطات القضائية الخارجية، وتأكيد أحقية مصر في تلك الأموال المهربة.
وكان من الطبيعي أن يتم تأويل خروج جمال مبارك في هذا التوقيت، وكأنه تعمد الإعلان ضمنيا عن رغبته في العودة إلى المشهد السياسي والترشح فى الانتخابات الرئاسة المصرية القادم، وأن هناك قوى خارجية تدعمه، غير أن ما عزز تلك الشائعة، أن ظهور جمال مبارك جاء في أعقاب الزيارة الخاصة التي قام بها بصحبة شقيقة علاء إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، لتقديم واجب العزاء في وفاة الراحل الشيخ خليفة بن زايد، ولقاء الأمير محمد بن زايد، فى رحلة تعد الأولى لهما خارج البلاد بعد منعهما من السفر بقرارات قضائية طوال ال 11 عاما الماضية.
الواقع القانونى يؤكد أنه لا عودة لنجلى مبارك إلى المشهد السياسي مرة أخري، لا لشيء سوى أنهما بلا حقوق سياسية، ولا يحق لأى منهما الترشح أو التصويت في أى انتخابات محلية أو برلمانية أو رئاسية لمدة 6 سنوات، طبقا لأحكام البند رقم 6 من المادة الثانية من قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014، لإدانتهما ووالدهما في قضية القصور الرئاسية.
كما أن هذا الحرمان يبدأ طبقا لنص ذات المادة من تاريخ تنفيذ العقوبة، فى حين أن مبارك ونجليه لم يسددوا حتى الآن قيمة الغرامة المقررة بالحكم والتي تبلغ 147 مليون جنيه مصري، أي أن فترة حرمان نجلى مبارك من ممارسة حقوقهما السياسية لم تبدأ بعد، كما أنهما أيضا محرومان من تولى أية مناصب قيادية وفقا للقرار بقانون رقم 92 لسنة 2015 وتعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية، نظرا لأنه لم يتم وقف تنفيذ العقوبة الصادرة بحقهما والتى تم تنفيذها بالفعل، كما أنه لم يرد إليهما اعتبارهما.
أؤكد أن الخروج المتسرع لجمال مبارك في أعقاب قرار الإفراج عن أموال أسرته قد آثار غضب أغلب المصريين وكان يحتاج إلى شيء من التريث، خاصة وأنه يعلم يقينا أنه لا قناعة لدي الأغلبية بأحقية أسرته فى تلك الأموال رغم الأحكام القضائية الباتة، وتبقى التأويلات والشائعات التى عجت بها مصر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية وما سيعقبها مسئولية يتحملها مبارك الابن بمفرده.. وكفى.