رئيس التحرير
عصام كامل

عيد الصعود الإلهى

تحتفل الكنيسة القبطية في كل عام بعيد صعود السيد المسيح إلى سماء السموات، السماء الرابعة، وذلك في يوم الأربعين لقيامته من بين الأموات.. مع العلم أن المسيح سبق وصعد من الجحيم إلى الفردوس أى السماء الثالثة، ولذلك بعد موته على الصليب إنسانيًا، ونزول روحه المتحدة بلاهوته إلى الجحيم مباشرة بعد موته  لخلاص أرواح الأبرار المنتظرين فدائه، من قبضة الشيطان والهاوية والهلاك، وأصعدهم إلى الفردوس بهدف فتح الفردوس، وإدخال الأرواح البار إليه، وجعله كمكان إنتظار لكل الأرواح البارة، إلى يوم القيامة العامة ومجئ المسيح الثانى للدينونة.

 

وسوف يصعد في أواخر الأزمنة، ومعه الأبرار من الملائكة والبشر، إلى سماء السموات، أى السماء الرابعة، التى هى أورشليم السمائية أو ملكوت السموات، وذلك بعد القيامة العامة، ومجيئه للدينونه. وأشرنا في موضوعنا، إلى صعود الملائكة إلى السماء وصعود البشر أيضًا، ومن أمثلة الذين صعدوا من البشر إلى السماء: أخنوخ، وايليا – أرواح الأبرار، روح العذراء مريم، ثم جسدها الطاهر.

 

وسوف تنتظر الصعود الأخير مع المسيح والملائكة الصالحين، إلى سماء السموات التى هى أورشليم السمائية، وذلك بعد القيامة العامة والدينونة. لكن بالرغم من ذكرنا عن صعود البعض من البشر إلى السماء مثل المسيح، إنما إلى سماء السموات، حيث يوجد عرش أو كرسى الله، لم يصعد إليها أحد قط من البشر، إلا السيد المسيح بصفته الله المتجسد: "لأنه ليس أحد صعد السماء إلا الذى نزل من السماء، ابن الإنسان الذى هو فى السماء" (يو 13: 3). 

 

ولعيد صعود السيد المسيح، إلى سماء السموات مكانة كبيرة، بين الأعياد السيدية بصفة خاصة، ولدى المسيحيين بصة عامة. وترجع أسباب هذه المكانة، إلى إنفراد المسيح بالصعود، إلى سماء السموات، من بين كل الذين صعدوا وأيضًا إلى العطايا الإلهية التى قدمها المسيح للبشرية، ولايزال يقدمها كثمار لصعوده. 

 

ونذكر في مقدمة الذين صعدوا إلى السماء، السيد المسيح له المجد.. حيث شهد الكتاب المقدس عدة مرات -ونحن نؤمن- بأن المسيح قد صعد مرتين ففى المرة الأولى قد صعد من الجحيم إلى الفردوس، والمرة الثانية صعد من على جبل الزيتون إلى سماء السموات، وسوف يصعد في المرة الثالثة والأخيرة بعد الدينونة إلى سماء السموات أيضًا. 

صعود المسيح 

 

صعد المسيح من الجحيم إلى الفردوس:

يرجع توقيت هذا الصعود إلى بعد موت المسيح على الصليب إنسانيًا، ونزول روحه المتحدة بلاهوته إلى الجحيم مباشرة بعد موته  لخلاص الأبرار، المنتظرين فدائه من قبضة الشيطان والهاوية والهلاك. مع العلم أن السيد المسيح، سبق وأنبأ عن نزوله الجحيم وتخليصه للأرواح البارة، وفتحه للفردوس كمكان انتظار، لكل الأبرار منذ آدم  إلى يوم القيامة، وقت أن قال: "روح الرب علي، لانه مسحنى لأبشر المساكين، أرسلنى لأشفى المنكرسين القلوب، لأنادى للمأسورين بالإطلاق، وللعمى بالبصر، وأرسل المنسحقينفى الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة" ( لو 18:4،19). 

 

كما أنه وهو على الصليب وعد اللص اليمين بدخوله "الفردوس" (لو 43:23). بعد أن آمن به كملك ورب، وله ملكوت "أذكرنا يا رب متى جئت في ملكوتك" (لو 42:23). وبالفعل السيد المسيح بعد موته على الصليب، نزل إلى الجحيم وآناره: "الشعب السالك فى الظلمة، أبصر نورًا عظيمًا، الجالسون فى أرض ظلال الموت، أشرق عليهم نور" ( إش 2:2)، ( لوقا 79:1)، ( متى 16:4).

 

وبالتالى ترتب من نزول المسيح إلى الجحيم، أنار الجحيم كمكان، وفرح الأبرار الذين فيه بما إبراهيم، نظير رؤيتهم للمسيح والملائكة المرافقين له في وسطهم، ومن هنا جاء قول المسيح لليهود: "خلص المسيح الأرواح البارة، من قبضة الشيطان والهاوية والهلاك وصعد بها إلى الفردوس، أى السماء الثالثة ( لو43:23 )، (2كو 2:12،4).

 

كما ذكر لنا معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس: "إذ صعد إلى العلاء وسبى سبيًا، وأعطى الناس عطايا، وأما أنه صعد، فما هو إلا إنه نزل أيضاَ أولًا، إلى أقسام الأرض السفلى" (أف 8:4،9). ولم يكن معلمنا بولس الرسول هو بمفرده، الذى تكلم عن هذه العقيدة من بين الرسل، بل أيضًا مثله معلمنا بطرس الرسول في رسالته الأولى، ذكر في هذا الصد: "الذى فيه أيضًا، ذهب فكرز للأرواح التى فى السجن" (ابط 19:3). ومنذ ذلك التوقيت صار الجحيم كمكان إنتظار الشيطان وملائكته، لأرواح الأشرار، إلى يوم القيامة العامة.

 

ب صعد السيد المسيح من على الأرض إلى سماء السموات:

صعد من على جبل الزيتون إلى سماء السموات، أما عن توقيت صعوده، فهو قد صعد فى اليوم الأربعين لقيامته من بين الأموات ( أع 2:1،3). بجسد ممجد سمائى روحانى (اكو30:15،43،44). ومن هنا جاءت العبارة التى وردت بالقداس الإلهى، وقالها القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات: "وعند صعودك إلى السموات جسديًا".

 

ولصعود السيد المسيح أهداف روحية  كثيرة ومن بينها أرسال الروح القدس في يوم الخمسين (يوحنا 26:15 )، وإعداد المكان لنا في الملكوت، ثم مجيئه الثانى للدينونة، وإصعادنا معه إلى الملكوت (يوحنا 2:14،3). ولم يكن صعود السيد المسيح له المجد إلى السماء، هو من جانب الصدف، بل هو تأكيد لتحقيق النبوءات الخاصة بصعوده. 

 

 

فمن بين النبوءات، التى أنبأت عن صعوده هى نبوءة داود النبى (مزامير 5:47،8). وأنبأ سليمان الحكيم عن صعوده بصفته الله المتجسد وأقنوم الإبن (أمثال 4:30). فمن هنا بعد الصعود، كرز الآباء الرسل بصعوده، فقال معلمنا بولس الرسول عنه "الذى نزل هو الذى صعد أيضًا فوق جميع السموات، لكى يملئ الكل" (أفسس 10:4). 

نطلب منه بإيمان راسخ، بأن يكون لنا نصيب بإصعاد أروحنا إلى الفردوس، بعد انتقالنا، ويكون لنا أيضًا  نصيب، في صعود أرواحنا وأجسادنا معًا بعد القيامة العامة، إلى ملكوت السموات كبقية الأبرار من الملائكة والبشر.

الجريدة الرسمية