من محمد مهران إلى محمد الشوربجي!!
لمجرد أن تعثرت في عام ١٩٢٤ مفاوضات الجلاء -جلاء الإنجليز عن مصر- آمن الكثيرون أن الكفاح المسلح هو الحل.. وأن الاحتلال لن يترك البلاد إلا إذا تكبد خسائر كبيرة.. وجاء الرد سريعا بحادث اغتيال السردار لي ستاك.. الذي كان يعمل -ويالا للدهشة والعجب- قائدا للجيش المصري!
للقصة تفاصيل كثيرة وبها تضحيات عظيمة وأيضا تنازلات مهينة لكن نتوقف عند الأخوين عنايت.. عبد اللطيف وعبد الحميد.. تركا الدنيا بما فيها وقدما روحيهما للوطن.. أعدم الأول وكان طالبا في الحقوق.. وخفف الإعدام على الثاني لصغر سنه.. لكنه بقي في السجن عقوبة المؤبد كلها! إنه الوطن الغالي!
تمر الأيام.. وتعود مصر لأهلها على أيدي أبناء الجيش العظيم.. ويشرع الأبطال في بناء مصر واستكمال استقلالها.. ويأممون القناة.. ويأتي المحتل السابق المحتال الدائم ليعتدي على مصر ويقاوم أهل بورسعيد ويقبض الإنجليز على فدائي منهم اسمه محمد مهران.. نقلوه إلي قبرص.. ساوموه على حريته بشرط واحد ووحيد.. أن يسب جمال عبد الناصر في الإذاعة البريطانية البي بي سي.. رفض.. هددوه بفقأ عينيه.. رفض..
اختلال القيم
أدخلوه الى التجربة بجدية وأنهم سيقتلعون عينيه فعلا.. رفض.. وقال لا تهين زعيم بلادي لأعدائي أبدا! استعادت مصر البطل مهران وكرمته.. وتزوجته إحدى الفدائيات.. وعاش وأنجب وصلحت ذريته.. لكنه دخل التاريخ وضرب المثل وظننا إنه من أهل الجنة!
تمر الأيام.. ويرفض محمد الشوربجي تمثيل مصر في بطولة دولية ويقرر تمثيل المحتل السابق لبلاده بدلا منها! كيف وصلنا إلى ذلك؟ هل بالعبث الذي لا يتوقف في الذاكرة الوطنية؟ هل لأننا البلد الوحيد في العالم الذي فيه من يمدح فترة احتلال وطنه؟! هل لأننا تركنا تزييف التاريخ لكل المنحطين مدعي التأريخ ومنتحلي صفة المؤرخين ممن قالوا لشباب مصر على غير الحقيقة وكذبا وزورا إن تاريخكم كله هزائم وانكسارات وتلفيق وتمثيل؟
ام لاختلال القيم ما بعد الانفتاح وتراكم وتراكم وشعار اللعبة من وقتها "بلدك إللي فيها أكل عيشك" و"اللي تغلب بيه العب بيه" و"معاك قرش تسوي قرش"؟! ثم ما تلاه من تراجع قيمة العلم والتعليم؟! ام حملات زعزعة الانتماء الوطني من الجماعة الإرهابية وحلفاؤها؟ ام كل ما سبق وغيره؟!
حذرنا مرارا من تأثير ما جرى وما يجري على الانتماء.. وكلما حذرنا تصوروا إننا ندافع عن حقبة تاريخية بعينها! ما الحل؟ والغضب في كل مكان؟ ما الحل؟ وإعادة بناء الإنسان الآن ستستغرق وقتا فضلا عن إنها تحاصر بمخططات مضادة لا تتركنا؟ ما الحل؟ ومردود أي جهد سيتأخر سنوات حتى يؤتي ثماره؟! ما الحل؟! والحزن على خطوة الشوربجي يملأ الصدور؟! ما الحل ؟!