أشعلها الغزالي من منبر الأزهر.. حكاية كاريكاتير رسمه جاهين كاد يتسبب في ثورة دينية
اشتهر الشاعر الفنان صلاح جاهين برسوماته الكاريكاتيرية الساخرة التي بدأها في مجلة صباح الخير، وكان سببًا في ارتفاع نسبة توزيع المجلة في بداياتها، وقد بلغ من تأثير رسوماته ونجاحها أن جرت عليه معارك وأزمات كثيرة.
من هذه الأزمات والقضايا التى كانت بسبب كاريكاتير رسمة في جريدة الأهرام 1962 كانت مع علماء الدين وعلى رأسهم الشيخ محمد الغزالى أواخر مايو عام 1962، عندما انعقد المؤتمر الوطني للقوى الشعبية برئاسة جمال عبد الناصر، وشارك فيه الشيخ محمد الغزالي الذي طالب في كلمته بتنقية القوانين وتحريرها من التبعية الأجنبية، وتوحيد زي المصريين وضرورة احتشام المرأة، وأن يكون زى المرأة موحدًا ليس فيه تعرية للصدور والسيقان، وأن ذلك لن يتم إلا بالقضاء على المستورد من الملابس.
قانون الجاذبية
وفي اليوم التالي رسم صلاح جاهين كاريكاتيرا لصورة الشيخ الغزالي يلقي كلمته منفعلًا بينما وقعت عمامته على الأرض، وتحت الرسم علق ساخرًا (يجب أن نلغي من بلادنا كل القوانين الواردة من الغرب كالقانون المدني وقانون الجاذبية الأرضية).
في اليوم التالى وأثناء جلسة المؤتمر ـ الذى كان ما زال منعقدا ـ هاجم الشيخ الغزالي صلاح جاهين، فردَّ عليه جاهين بكلمة تحت عنوان (ملاحظة على اهتمام الشيخ بمشاكل المرأة) مصحوبة برسم الشيخ واقفًا يحمل لافتة مكتوبا فيها فتش عن المرأة وهو ينظر من ثقب الباب وتعليق "كل واحد يفتش بطريقته".
هجوم على الأهرام
هاجم الغزالى جاهين فى كلمته للمؤتمر اليوم التالى وقال (إنه لم يهاجم قانون الجاذبية الأرضية لأن الإسلام لم يكن ضد العلم، وأنه يرفض سخرية جاهين من عمته وزيه الدينى، وتساءل هل يعيش العلماء عراة الرأس إذا لم تحم عمائمهم، وأن هذا المؤتمر يعطي الحق لكل فرد أن يقول الكلمة الأمينة الحرة التي يجب ألا يرد عليها بمواويل الأطفال في صحف سيارة ينبغي أن تحترم نفسها)، متهما محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام بالموافقة على إثارة الحملة ضده، وكتب ردًّا أرسله إلى الأهرام للنشر.
حرية الرأى
وفى مثل هذا اليوم 2 يونيو 1962 كتب هيكل في الأهرام يقول: إننا نقدس الدين ونحترمه لكننا نرفض ما فعله الغزالى بالهجوم على الأهرام في مؤتمراته بأن يجعل من الخلاف في الرأي بينه وبين صلاح جاهين رسام الجريدة قضية دينية، وأن الجريدة تؤمن بحرية الرأي لذلك تنشر نص كلمة الغزالي فى المؤتمراحترامًا لحقه في إبداء رأيه مَهما كان مختلفًا مع رأي الجريدة مع إعطاء الحق لجاهين أن يبدي رأيه هو الآخر فيما يقوله الشيخ.
وبالتوازى مع الرد نشرت الأهرام كاريكاتيرا لصلاح جاهين عبارة عن مجموعة من أطفال الشوارع تحمل لافتات مكتوب عليها (أين الكساء يا مشرع الأزياء، لماذا لا تهتم إلا بملابس النساء) ، بعد ذلك توالت رسومات جاهين في الأهرام تحت عنوان (تأملات كاريكاتيرية في المسألة الغزالية) تهكمًا على آراء الشيخ الرجعية، وأطلق عليه اسم أبو زيد الغزالى سلامة.
انتقل هجوم الشيخ على جاهين إلى الأزهر في خطبة الجمعة محرضًا ضده فخرج بعض المصلين من المسجد إلى مبنى الأهرام وقذفوه بالحجارة وهم يحملون الشيخ على أعناقهم، فرسم جاهين نفسه واقفًا أمام القضاء والشيخ يقف خلفه يضربه بخنجر مكتوب عليه "الإرهاب".
تدخلت القيادة السياسية، وتولى كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة الجمعَ بين هيكل وجاهين والغزالى لكى تقف المعركة.