المال العام خط أحمر (2)
نستكمل اليوم ما بدأناه من عرض لمخالفات لم يعد المشهد يتحملها في الجهاز الإداري للدولة، وكان ذلك باستعراض حكم القضاء في دعوى تأديبية كشفت حصول بعض قيادات إحدى الهيئات الكبرى على مكافآت حضور لجان دون وجه حق، وصدر الحكم تأسيسًا على قرار جمهوري وكتاب دوري للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة يحظران هذا التلاعب، فهل كان ذلك رادعًا لبعض الهيئات والجهات؟ الإجابة الصادمة، أنه وحتى يومنا هذا لا زالت الجرائم مستمرة بها، وما زال المال العام مستباحًا من المُستأمنين عليه.
وما زلت أخاطب فخامة رئيس الجمهورية، وبدلًا من الحديث عن وقائع عامة، أتحدث عن بعض الهيئات والجهات الحكومية المحترمة، يعمل أبناؤها الشرفاء في وظائف لها قدسية خاصة، ومن مهامها الحفاظ على المال العام، والحد من تجاوزات القانون وإعادة الحقوق لأصحابها، ولكنها ابتليت لعدة أعوام بمن أصابهم السعار المالي، وتسيدوا المواقف، وتصيدوا الفرص للاحتيال على القانون، وتعدوا منطقة ثغرات القانون إلى مخالفته مخالفة صريحة.
إن من يُخصِص لنفسه مقابلًا ماديًا للجلسات واللجان التي تنعقد للقيام بأعباء الوظيفة التي يشغلها ويتقاضى عنها راتب كبير جدًا، ثم يضاعف تلك المخصصات، ثم يضاعف عدد الجلسات واللجان في أوقات العمل الرسمية، ثم يحتال ويحتال حتى يصل في بعض المهام إجمالي ما يتقاضاه عضو مجلس الإدارة الواحد في اليوم الواحد إلى 100 ألف جنيه في إحدى الجهات، و37.500 ألف جنيه في إحدى الهيئات عن مقابلات المعينون الجدد، علمًا بأن من يتقاضى هذا البدل ثمانية من أعضاء مجلس الإدارة، دون أي أعمال حقيقية تستوجب ذلك، ثم يتحدثون عن الشرف والأمانة، وإحكام الرقابة، فلا مجال هنا لوصفه بالفساد، بل يتعين التحرك السريع لاسترداد أموال الدولة.
السعار المالي
وقبل أن نسترسل بشأن هذه الفئة من المرتزقة ومرضى السعار المالي، لا بد من محاسبة حملة المباخر والطبالين الذين يقفون على أبواب كبار الفاسدين ليؤكدوا للجميع بروايات كاذبة طهارة يد كبيرهم، والأمر لا يخلو من افتعال مشكلات وهمية، أو اختلاق أهداف سامية وهمية كذلك، لإلهاء الشرفاء المحترمين من أبناء تلك الجهة أو الهيئة أو المؤسسة عن ذلك الفساد.
وعلى صعيد آخر فإن لكل عملية فساد مهندس عمليات محترف تتعاقب عليه القيادات وهو كما هو، يُخرج لسانه لمن يعرف حقيقته، ولم لا؟ وقد ارتمى في أحضان الشيطان ليتحصن به، وقد جاء الوقت لإزاحة هذه الفئة وأتباعها وشراذمها الذين تغلغلوا في مفاصل الهيئة، ولن يقتلعهم سوى توجيهات مباشرة من فخامة رئيس الجمهورية.
وبلغ تبجح الفاسدين في الواقعة التي نعرضها إلى استنزاف ما يماثل الصناديق الخاصة، والتي أصدر فخامة الرئيس تعليماته بأيلولتها للخزانة العامة، وحتى الآن بقى صندوق تلك المؤسسات والهيئات والجهات أخرى خارج حيز التنفيذ، ثم امتدت أيادي الفاسدين للصرف من الموازنة العامة بترتيب وتخطيط من مهندس عمليات الفساد، ولا عزاء للشرفاء.
ثغرات القانون
وليس ما تقدم بأول كلامنا، بل سبقه تحذيرات كثيرة أشرنا فيها إلى هذه الجراثيم التي تتوطن في الجهات الادارية وتتعاقب عليها القيادات، فتتحكم في هذه القيادة التي لن تستمر أكثر من عام أو عامين، ويغرونهم بالأموال التي سيحصلون عليها عبر ثغرات القانون الذي لا يجيد اختراقه سوى تلك العصابة المحيطة بالقيادات.
فخامة رئيس الجمهورية: لقد طفح الكيل، وتوارت شمس التقدم خلف سُحب الفساد، وإني لأخاف أن تتزايد تلك البؤر التي تنهب المال العام حتى تعصف بحصاد التنمية، كالجراد الذي يتفشى في الأرض الخضراء فتصير أثرًا بعد عين، ختامًا، فليس لي إلا قلمي، أنقل به أصوات الشرفاء، وقد عهدناكم أقوياء في الحق، ولم يبقَّ لنا إلا أن نشهد قرارتكم الحاسمة لرد الأموال التي إستولى عليها حفنة من الفاسدين مرضى السعار المالي، إقتطعوها من أموال البسطاء، وأخيرًا فخامة الرئيس فإن المصريين لن يخذلوك في مواجهة الصعاب، ومعنا الأدلة على ما سبق.. وللحديث بقية