المال العام خط أحمر (1)
تاهت مني الكلمات وحار عقلي، من أين أبدأ.. ولمن أوجه حديثي، هل أُحدث المواطن الكادح فيزداد همه، أم أُحدث المجتمع بأسره فيتفرق صدى حديثي بين فئاته، ثم قلت: لعل الأجهزة الرقابية المختصة ستلتفت إلى حديثي، ثم تذكرت بلاغات عديدة ومناشدات عن موضوعات فساد أخرى، عبر مقالات سابقة وصفحات الكترونية اتجهت فيها إلى هذه الأجهزة بالاسم، وأعلنت مرارًا وتكرارًا أنني أملك المستندات، ووصل الأمر إلى أنني طلبت محاكمتي إن ثبت كذب بلاغاتي، وبقيت حالات الفساد على حالها.
واليوم، وقد فاض الكيل حتى استشعر الجميع القلق، وصرنا نتأهب لأزمات خانقة، لا يجادل في حدوثها إلا ساذج، فقررت أن أرفع صوتي لأخص به كل مهموم بأمر هذا البلد، وكل من راهن على أصالة هذا الشعب، وكل من واجهته الأزمات من كل مكان، فكان كما عهدناه مقاتلًا، ولو كان وحده في المعركة، وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهورية الذي حمل على عاتقه منذ توليه الحكم مهمة مكافحة الفساد بكل مؤسسات الدولة، حتى وإن كانت رئاسة الجمهورية كما قال سيادته.
سيدي الرئيس، السادة المحترمون كلٌ في موقعه: لا وقت للتحيات ولا المجاملات، فاسمحوا لي أن أتحدث إلي حضراتكم بأدب جم، ولكن بصوتٍ عالٍ، لأن في صدري غليان متصاعد، وموجز القول إن هناك مؤسسات وهيئات وجهات كبرى وهامة اعتلتها مجموعات من مرضى السعار المالي ومن هم ليسوا فوق مستوى الشبهات، رغم كل محاولاتكم لسد أبواب الفساد التي يدخل منها هؤلاء.
السعار المالي
ونعرض أولًا تأكيدًا لذلك ما قطع بتجريمه القضاء، والسند القانوني لذلك، ثم نُشير إلى جرائم مرضى السعار المالي في هذا السياق، مع دعوة لحضراتكم بالتنبيه بغلق صنابير الفساد، والتي يمكن لمن أراد ذلك أن نرشده إلى هؤلاء، ونمده بالتفاصيل، وكان أول الخيط حين أصدر الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة الكتاب الدوري 5 لسنة 2013، بشأن حظر الهيئات والجهات الحكومية التقدم بطلبات من أجل الحصول على بدلات لحضور اللجان والجلسات، بعد ثبوت تسببها في زيادة عجز الموازنة..
وقال الجهاز، بشأن ذلك عبر بيان له (تلاحظ فى الآونة الأخيرة زيادة طلب بعض وحدات الجهاز الإدارى للدولة تعزيز بند مكافآت حضور جلسات ولجان، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة عجز الموازنة العامة للدولة).
وتطبيقًا لأحكام المادة الثانية من القرار الجمهوري 71 لسنة 1965 بشأن بدل حضور اللجان والجلسات، والتى نصت على أنه لا تمنح المكافأة أو البدل، للأعضاء المدرجة وظائفهم فى الجهة التى ينعقد بخصوصها المجلس أو اللجنة، ويحظر على العاملين بالدولة عند تطبيق هذا القرار صرف أي مبالغ مالية تحت مسمى بدل حضور اللجان والجلسات، ما دامت اللجنة تنعقد بمقر جهة العامل وبسبب واجبه الوظيفي، حيث إن ذلك يعتبر امتدادًا لعمله.
وعن موضوع مماثل لما سنتحدث عنه بالعديد من المؤسسات المهمة جهارًا نهارًا، بدأت وقائعه فيما جاء بشكوى العاملين بالهيئة العامة للطرق والكباري يتضررون فيها من صرف بدل حضور للجان وجلسات لكبار المسؤولين رغم صدور كتاب دوري للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة 3 لسنة 2013 بشأن تفعيل القرار الجمهوري 71 لسنة 1965 الذي يحظر على العاملين صرف مبالغ مالية تحت مسمى بدل حضور لجان وجلسات.
لجان للمحظوظين
وقالت المحكمة إن المخالفة المنسوبة للمتهمين الخمسة، والمتمثلة في ارتكابهم ما ترتب عليه المساس بمصلحة مالية بجهة عملهم، وذلك بأن خالفوا القرار الجمهوري والكتاب الدوري الصادر من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة المشار إيهما عاليه، بشأن صرف بدل لجان للمحظوظين بالهيئة جهة عملهم وإقرار وصرف بدلات للعاملين بلغت 1.772.136.79 جنيه، فإن هذه المخالفة ثابتة في حقهم جميعًا ثبوتًا يقينيًا من واقع الأوراق والتحقيقات.
ومن ثم يتضح أن المتهمين خالفوا الحظر الوارد بالقرار الجمهوري 71 لسنة 1965 والكتاب الدوري 3 لسنة 2013 الصادر من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، واللذان يحظرا على العاملين بالدولة صرف أي مبالغ تحت مسمى بدل حضور اللجان والجلسات مادامت اللجنة تنعقد بمقر جهة العمل وبسبب أداء للوظيفة حيث إن ذلك يعتبر امتدادا للعمل.
وسنعرض لاحقا لمن تمادوا في غَيِهم وفعلوا أكثر من ذلك، وما زالوا على كراسي المناصب يدورون حول أنفسهم في نشوة وسعادة بالمال العام الذي نهبوه بالمخالفة للقرارات الجمهورية، ومعنا الأدلة.. وللحديث بقية