"كان" في خدمة المشروع السياسي
لا تفوت الدول الغربية فرصة أو ثغرة تستفيد منها للمضي قدمًا في تحقيق أهدافها ومشاريعها، للسيطرة والتحكم في ثروات الدول والحد من قوتها ونفوذها، ومثلما جرى تسييس جوائز يوروفيجن الغنائية، وتوجت باللقب فرقة أوكرانية قبل نحو أسبوعين، وضع مهرجان كان السينمائي الدولي، لبنة جديدة في منظومة سعي أوروبا والولايات المتحدة لتطويق وإضعاف روسيا، وحشد الدعم لأوكرانيا حتى تظل حديقة خلفية لأنشطتها التدميرية وحروبها.
ذهبت أهم جوائز مهرجان كان السينمائي إلى أفلام دول يضغط بها الغرب على روسيا ويتمدد عن طريقها على حدود روسيا واستنزافها في الحرب، كما توجت أفلام تنطوي على إساءة لدول ثانية ضمن ابتزاز الغرب لها. في محصّلة الدورة الـ 75، كان الرابح الأكبر على صعيد الجوائز السويد وبلجيكا، ومعروف أهميتهما في الاصطفاف مع أوكرانيا، وبعدهما كوريا الجنوبية وبولندا، وهذه الأخيرة تبالغ في التشدد تجاه روسيا، بينما خسر نجوم هوليوود ولم ينل كبار مخرجيها أي جائزة.
توج فيلم مثلث الحزن بجائزة السعفة الذهبية، ليصبح المخرج السويدي روبن أوستلوند (48) عامًا، من حائزي الجائزة الشهيرة مرتين في حياته، مثل المخرجين الكبار فرنسيس فورد كوبولا، أمير كوستاريتسا، كين لوتش، والأخوين لوك وجان بيير داردين، وسبق أن نال روبن السعفة الذهبية في 2017 بفيلم الميدان أو ذي سكوير.
خالفت لجنة التحكيم برئاسة الممثل الفرنسي فنسان لاندون كل التوقعات، وتوجت الفيلم السياسي الساخر مثلث الحزن عن العلاقة الطبقية في المجتمعات الغربية، حيث ينتقد أوستلوند، الرأسمالية كاشفًا الفروق الاجتماعية ويركز على النفاق الغربي الذي يولي اهتماما كبيرا بالمظاهر. وأقر رئيس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية فنسان لاندون، بأن اللجنة كلها صُدمت من الفيلم، إذ يصور بسخرية التباينات الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء، الرجال والنساء، البيض والسود، وحتى جدل الأقوال المأثورة بين الشيوعي قبطان اليخت وأحد الأوليغارشيين الروس.
فازت السويد كذلك بجائزة أفضل سيناريو، التي نالها السويدي من أصل مصري طارق صالح عن فيلم صبي من الجنة، وشكل منحه الجائزة صدمة لأن الفيلم ركيكًا ومعالجته ضحلة ويعتبر السيناريو أسوأ ما فيه، لكنه ينطوي على إهانة للأزهر الشريف وإساءة إلى مصر في الوقت الحالي، ما يؤكد أنها جائزة تخدم المشروع السياسي الغربي وتحقق رؤيته في الضغط على مصر وفي الوقت نفسه مجاملة السويد لمزيد من استقطابها في الحرب الأوكرانية، وعند التتويج بالجائزة أهداها طارق صالح إلى الشباب المصري لرواية قصصهم، رغم يقينه بأن أفلام أخرى كانت أحق بالجائزة.
الجائزة السويدية الثالثة اقتنصها فيلم العنكبوت المقدس للمخرج السويدي من أصل إيراني علي عباسي، حيث فازت الإيرانية زهراء أمير إبراهيمي بجائزة أفضل ممثلّة عن دورها في الفيلم، وكانت فرصة لتمرير الأفكار الأوروبية وفي الوقت نفسه انتقاد إيران، من خلال صحافية شابة من طهران تجسدها زهراء تتعقب سفاحًا ارتكب سلسلة جرائم قتل أودت بحياة بائعات هوى في مدينة مشهد وتحاول الانتقام منه، وقالت زهراء عند تتويجها: "الفيلم عن النساء وأجسادهن، عمل مليء بالوجوه والشعر والصدور والجنس، أي كل ما يستحيل إظهاره في إيران".
وأكملت بالفارسية: "مررت برحلة طويلة قبل تتويجي على هذه المنصة، رحلة تميزت بالإذلال، قبل أن تستقبلني فرنسا". حققت زهراء، الشهرة في إيران بفضل دورها في مسلسل نرجس، لكنها لجأت إلى فرنسا في 2008 بعد فضيحة جنسية.
أما عن جوائز بلجيكا، فقد منح المهرجان الجائزة المستحدثة احتفالا بالدورة الخامسة والسبعين، إلى الأخوين جان بيير ولوك داردين عن فيلمهما توري ولوكيتا المتعلق بالمهمشين. وتوجت بلجيكا أيضًا بالجائزة الكبرى، ونالها أصغر مخرج في الدورة لوكاس دونت عن فيلم كلوز، مناصفة مع أكبر المتنافسات سنًا، الفرنسية المخضرمة كلير دوني، عن فيلم نجوم الظهر، وبينما لم ينل الفيلم الفرنسي إعجابًا كبيرًا، حاز الفيلم البلجيكي الثناء لمناقشته قضية شائكة.
وتوجت بلجيكا ثالثًا بجائزة لجنة التحكيم عن فيلم ثمانية جبال للثنائي فيليكس فان خرونينغن وشارلوت فاندرمرش اللذين اقتبسا رواية إيطالية عن علاقة صبيين أحدهما من الريف والآخر من المدينة، وتناصفت الجائزة مع المخرج البولندي الكبير جيرزي سكوليموفسكي عن فيلمه هي هان عن مغامرات حمار بعد الاستغناء عن خدماته في سيرك.
وفازت كوريا الجنوبية بجائزتين، أولهما جائزة الإخراج عن فيلم قرار المغادرة للمخرج بارك تشان ووك، عن محقق يقع تحت سحر امرأة مشتبه بها، والثانية أفضل ممثل ونالها سونغ كانغ هو عن فيلم بروكر للمخرج الياباني هيروكازو كوري-إيدا.
وفي الوقت ذاته، كان للحرب في أوكرانيا حضور بارز بالمهرجان من خلال تضمنه عددًا من الأفلام لمخرجين أوكرانيين، وافتتاحه برسالة عبر الفيديو من كييف للرئيس فولوديمير زيلينسكي، بينما خرج المخرج الروسي المعارض كيريل سيريبرينيكوف خاوي الوفاض.