مقايضة في ليلة أمل
فرض الشعب اللبناني كلمته على السلطة ممثلة برئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل وحليفيهما الثنائي الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري والأمين العام لـ حزب الله حسن نصرالله، ومنع عنهم أصواته الانتخابية ليغير تركيبة البرلمان الجديد، التي أسفرت عن فقدان الحلفاء الأكثرية النيابية التي كانوا يصادرون عن طريقها القرار اللبناني، ويرهنونه بمشيئة إيران وسورية، وذلك بعد نحو عامين من ثورته عليهم في جميع المدن اللبنانية بما فيها التي تدين بالولاء لرئيس الجمهورية والثنائي الشيعي.
وبما أن الحلفاء لا يمكنهم إنكار أو تجاوز الهزيمة الإنتخابية فقد لجأوا إلى ترهيب وتهديد الأغلبية الجديدة، خصوصا ما يتعلق بالاستحقاقات الدستورية المقبلة، من انتخاب رئاسة البرلمان، تشكيل حكومة جديدة، وصولًا إلى انتخاب رئيس الجمهورية في الخريف المقبل. ولأن نتائج الإنتخابات ستنعكس سلبًا بين صفوفهم، خصوصا في حزب الله فهو لن يسلم بالضربة الموجعة التي تلقاها، وسيحاول فرض رأيه على الأكثرية الجديدة بشتى الطرق..
ما استدعى الخوف من إمكانية عودة الاغتيالات التي ارتكبها حزب الله بعد انتخابات العام 2005، لتقليل عدد نواب الأكثرية الجديدة في البرلمان، اقتناعا بأن حزب الله لن يتنازل عن الثلث المعطل، وأن يكون رئيس الجمهورية الجديد حليفًا له، رغم فقدانه الغطاء الدستوري والمسيحي والشعبي بشكل عام.
استنكر نواب الأكثرية الجدد، تهديدات حزب الله وحلفائه، معتبرين أن المرحلة التي كان يعين فيها حزب الله رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة انتهت، وأن حسن نصرالله نفسه سقط كمرشد أعلى في لبنان ينطق بلسان إيران وخامنئي.
نقاط جعجع الفاصلة
كان لافتا تصريح سفير السعودية في لبنان وليد بخاري، عند تنظيمه أمسية تكريمية في ذكرى اغتيال مفتي لبنان الشيخ حسن خالد، بعنوان شهيد الرسالة، وقال: "لبنان يعيش أيامًا صعبة على المستويات كافة وفي مقدمها هويته العربية وعلاقته بمحيطه العربي، واليوم يزف الشعب اللبناني الحرّ للمفتي حسن خالد نتائج الانتخابات المشرّفة وسقوط رموز الغدر والخيانة وصناعة الموت والكراهية، لأن اغتيال المفتي خالد كان مقدمة لاغتيال لبنان كله ورهنه للخارج".
بينما أشاد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، بالتغيير الحاصل في الانتخابات، مؤكدا أن موضوع "حزب الله بيد اللبنانيين، وعليهم أن يقوموا بإصلاحات لاستعادة حكم الدولة من خاطفيه".
لابد من الإشارة هنا إلى الدور الكبير الذي لعبته السعودية في انتخابات لبنان، ودعمها المرشحين المستقلين والمطالبين بالتغيير واستعادة الدولة، كما دعمت كتلة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي فاز نوابه بالأكثرية البرلمانية..
فقال جعجع بصفته رئيس التكتل المسيحي الأكبر حاليا في لبنان، بعد الفوز الانتخابي الساحق وردا على تصريحات حسن نصرالله: حققنا نتيجة انتخابات مدوّية، خسرها أمامنا حزب الله والتيار الوطني الحر، والأغلبية الجديدة لم تذهب لأي طرف بل اتفقنا على نقاط أساسية، هي السيادة، عدم وجود سلاح خارج الجيش اللبناني، ومواجهة الفساد المستشري، كما لن ينتخب نوابنا زعيم حركة أمل نبيه بري لرئاسة البرلمان الجديد، ولن يدعموا تشكيل حكومة وحدة وطنية ومحاصصة كما كان يحصل سابقًا، لتحقيق هدف التغيير الذي نسعى إليه ويريده الشعب.
مقايضة كبيرة
اللاءات التي أعلنها سمير جعجع، باعتباره رئيس كتلة الأغلبية النيابية، دعت رئيس السن في المجلس النيابي المنتخب نبيه بري، إلى التمهل في الدعوة لانتخاب رئيس جديد للبرلمان، باعتبار أن هناك كتلًا نيابية وازنة لن تنتخبه خصوصا من المسيحيين والسنة، وتجنبًا لمزيد من التجاذبات السياسية والطائفية، قرر مواصلة التفاوض بين المكونات النيابية والسياسية للتوافق على تسوية انتخاب رئيس مجلس النواب الجديد ونائبه، وبما يضمن لنبيه بري رئاسة البرلمان بعدد أصوات لا يشكل إحراجًا له، خصوصا أنه يتولى رئاسته منذ 30 سنة.
أمام هذه الإشكالية سعى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، إلى مقايضة كبيرة، بحيث يدعم نواب كتلته رئاسة نبيه بري للبرلمان ومساندة حكومة يتفق عليها مع بري وحسن نصرالله، مقابل دعمه في رئاسة الجمهورية خلفا لصهره الرئيس ميشال عون، وهو الهدف الذي يحارب من أجله منذ سنوات.
في مقابل مقايضة جبران باسيل، قال مفتي الشيعة الشيخ أحمد قبلان: "نبيه بري رئيسا للبرلمان ونقطة ع السطر، فلا ينافسه أحدا خصوصا أن الدستور ينص على رئاسة شيعية للبرلمان".
لم يترك أهل الفن، الساحة اللبنانية لمقايضات ونزاعات الكتل السياسة، وأقاموا أكبر حفل مجاني منذ انفجار مرفأ بيروت، بعنوان ليلة أمل، نظمه المؤلف الموسيقي والمنتج وقائد الأوركسترا أسامة الرحباني، وأحياه هبة طوجي وزوجها إبراهيم معلوف وإنضمت إليهم إليسا في مفاجأة كبيرة، إضافة إلى عشرات الراقصين وكورال صوت الجنة، للتأكيد على أن لبنان سيظل حيًا لا يموت رغم ما يعانيه من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، وان إرادة الشعب ستهزم كل من يتربص بالبلد.