في ذكرى مولد نجيب سرور.. الثائر في دروب الحياة مرتديًا أكفان الموت
"الأبطال بمعنى الكلمة.. ماتوا لم ينتظروا كلمة.. ما دار بخلد الواحد منهم - حين استشهد- أن الاستشهاد بطولة.. أو حتى أن يعطى شيئًا.. للجيل القادم من بعده.. فهو شهيد لا متفلسف ماذا يتمنى أن يأخذ.. من أعطى آخر ما يملك فى سورة غضب أو حب".. كلمات تنبض بالألم والحزن صاغتها أنامل شاعر لا يعرف إلا الوطنية التي تسري في جسده مسرى الدم.. إنه نجيب سرور، والكاتب المسرحي الذي قدم للمسرح "ياسين وبهية"، كان نجيب سرور الثائر الذي لم يأبه إلا بحبه للوطن، وحمل على كتفيه حلم النهضة بالمسرح.
90 عامًا نجيب سرور
ولد نجيب سرور في 1 يونيو عام 1932، وتوفي عام 1978، 46 عامًا قضاها معارضًا لكل ما هو ضد أحلام الفقراء، فقد كان معارضًا للإقطاع والنظام الملكي والاحتلال، بدأ معارضته من خلال قصيدة كتبها عام 1946 معارضًا للاحتلال البريطاني، ولكن حياته السياسية والأدبية بدأت عام 1964، تم طرده من عمله بسبب آرائه المعارضة، انتقد سياسة الحكومة أثناء حكم الرئيس السادات، ووضع في مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية حتى توفى عام 1978.
"قد آن يا كيخوت للقلب الجريح أن يستريح، فاحفر هنا قبرًا ونم.. وانقش على الصخر الأصم: "يا نابشا قبرى حنانك، ها هنا قلبٌ ينام، لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام، هذى العظام حصاد أيامى فرفقًا بالعظام. أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان.. إن عد فرسان الزمان.. لكن قلبى كان دومًا قلب فارس.. كره المنافق والجبان.. مقدار ما عشق الحقيقة. قولوا " لدولسين "الجميلة.."أَخْطَابَ".. قريتى الحبيبة: "هو لم يمت بطلًا ولكن مات كالفرسان بحثًا عن بطولة.. لم يلق فى طول الطريق سوى اللصوص.. حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص.. فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص!"، هذا الشاعر الفارس نجيب سرور خط كلماته البائسة في "لزوم ما يلزم"، لكنه لم يبحث عن البطولة، فقد كان يبحث عن متنفس ليعيش الأبطال الحقيقيون.
البيئة القاسية
عاش الشاعر نجيب سرور في بيئة فقيرة في قرية إخطاب بمركز أجا في محافظة الدقهلية، لكن هذه البيئة القاسية ساعدت في تأسيس شخصيته، رفض الاستغلال والإقطاع ونادى بالحرية والعدالة، وبرغم دراسته للحقوق، إلا أنه قرر أن يتركها في السنة الأخيرة، ليحقق حلمه لينضم للمعهد العالي للفنون المسرحية، درس التمثيل، وتبدأ نهضته المسرحية بمسرحيات "ياسين وبهية" و"يا بهية وخبريني" و"المسرحية النثرية "ألو يا مصر"، ومسرحية "الكلمات المتقاطعة"، وجمع سرور أعماله الشعرية في دواوين ومنها "التراجيديا الإنسانية".
"وعرفت أن الشمس لم تعبر بقريتنا.. ولا مر القمر.. بدروبها من ألف جيل ولا العيون تبسمت يومًا لمولود ولا دمعت لإنسان يموت.. فالناس من هول الحياة.. موتى على قيد الحياة!" سيطرت النظرة التشاؤمية على شعر نجيب سرور، ومن بين أقواله "أنا لست أخشى الذئب ذئبا، إنما أخشاه في جلد الحمل، رعبى عدو لا أراه.. أو لا أراه، إلا إذا فات الأوان! وأنا كأهل الشعر معلول البصر، خمن.. أطول أم قصر؟!" في ديوان "لزوم ما يلزم".
الاعتقالات والاغتيال
تعرض سرور للاعتقال وكانت هناك محاولة لاغتياله خنقًا، وتم طرده من وظيفته، ومنع من النشر، وتم إيداعه مستشفى الأمراض العقلية بتهمة الجنون، لكنه لم يأبه واستمر في الكتابة، وخرجت قصيدة نجيب سرور الشهيرة "الأميات" إلى العلن.
أحدثت "الأميات" جدلًا كبيرًا داخل المجتمع المصري، حيث تميزت بقسوتها الشديدة وألفاظها الجارحة والخادشة للحياء، حيث انتقد سرور فيها أبرز رموز السلطة في مصر، ومن ضمنهم محمد حسنين هيكل.
وعبرت قصيدة "الأميات" لنجيب سرور عن المرارة الشديدة التي شعر بها سرور إزاء الأوضاع في مصر. كانت القصيدة أشبه بصرخة الرفض التي أطلقها سرور ردًا على ما آلت إليه أوضاع بلده.
الأميات
لم يتعد إنتاج نجيب سرور الشعري إلا بضعة دواوين شعرية نذكر منها "لزوم ما لا يلزم" التي كتبها في المجر وصدرت عام 1975، وديوان "الأميات"، و"بروتوكولات حكماء ريش"، و"رباعيات نجيب سرور"، وديوانا "الطوفان" و"فارس آخر زمن".
تمتع نجيب سرور بحس نقد رفيع المستوى، فقدم عددًا من الشروحات النقدية المهمة "رحلة في ثلاثية نجيب محفوظ" التي تعرض فيها لروايات الكاتب الشهير. كما نشر أيضًا عددًا من المقالات النقدية في بعض الدوريات الأدبية، أبرزها (تحت عباءة أبي العلاء، وهموم في الأدب والفن، وحوار في المسرح).
"العبث اليوم هو المعقول.. والمعقول اللامعقول.. والحرية حق فى العبث بمجد الحرية.. واختر للعبث سبيلك.. أو أسلوبك.. وارفض أن تختار الرفض!" أبرز مقولات نجيب سرور في ديوان "بروتوكولات حكماء ريش". كما قال: "كل العقائد- كلها- قامت تندد باللصوص، ثم انتهت عجبا - إلى أيدى اللصوص".