الطريق إلى مستقبل مصر
في الخامسة والنصف فجرا كانت السيارة تشق الطريق من زايد إلى محور الضبعة الجديد، حيث الطريق إلى باكورة مشروع مستقبل مصر الزراعى.. تخيفنى صٌفرة الرمال التي تغطي المساحة الأكبر من مصر، غير أن لاتساعها مهابة لا أجد لها تفسيرا في نفسي إلا القليل من ذكريات الطفولة التي قضيناها في واد ضيق من الخضرة، ومساحات شاسعة من الرمال الصفراء تطاردنا في الفيوم حيث مسقط رأسي.
يبدو الطريق ناعما وجديدا، ولا تنغصه المطبات الصناعية التي نعانى منها كمصائد للأرواح على طرق كثيرة في القاهرة، وعلى جنبات القرى في ريف مصر صعيده وبحريه.. شاحنات نقل الفواكه والخضراوات تتراص على جنبات طريق الخدمة، تنتظر القرار والسماح لها باستخدام الطريق الذي يستقبل أعدادا كبيرة من المسئولين وكبار الضيوف والصحفيين، لزيارة موقع مشروع مستقبل مصر.
لم تكن الرحلة شاقة وصولا إلى موقع المشروع على محور الضبعة الجديد..على مدد الشوف كما نقول بالعامية، تستطيع أن ترى ملامح المشروع الكبير.. وقبل الوصول إلى المشروع تخطفك نداهة الخضرة، وسط الصحارى الواسعة من مزارع استطاع أبناء مصر من القطاع الخاص وبعض الشباب الذين اقتحموا الصحراء مبكرا زراعتها.
قبل الوصول إلى مستقبل مصر تستطيع أن ترى مربعات ودوائر الخضار في مشروع كبير، وعلى الجنبات تقرأ عناوين كبيرة، طريق العراق، ثم تمضي لتقرأ طريق الإمارات، ثم تمضي لتقرأ طريق السعودية.. وهكذا.
سد الفجوة الغذائية
في الثامنة صباحا وصلنا إلى مقر افتتاح مشروع مستقبل مصر، وفي خيمة كبيرة تجمعنا انتظارا لوصول السيد الرئيس لبدء استعراض واحد من أكبر المشروعات الزراعية، الذي يقضي باستصلاح أكثر من مليون فدان.
بدأ العرض وصور المزارع المتراصة تتلاحق لا يقطعها إلا رسوم بيانية تشرح للحضور الأرقام التي سيحققها المشروع في إنتاج القمح والنباتات الزيتية لسد الفجوة الغذائية وتحقيق اكتفاء ذاتى.
أمام الأزمة العالمية الخانقة التي يمر بها العالم، خاصة في المواد الغذائية يصبح الحديث عن الاكتفاء الذاتي عابرا لمسألة التكلفة وغيرها من التعريفات التي يتحدث عنها اقتصاديون متخصصون في الاقتصاد الزراعي.. بعد أن أغلقت عديد الدول أسواقها وانطوت داخليا، معلنة عدم تصدير منتجات زراعية لم يعد هناك مجال للقول بأن شراء العبد أفضل من تربيته.
شيئا فشيء تعود تعريفات السيادة إلى ما كانت عليه قبل موجة العولمة التي أدت للقضاء على مفاهيم السيادة والحدود..جاءت كورونا ومن بعدها الأزمة الأوكرانية لتعلن من جديد فكرة السيادة كما كانت. ولم يعد الحديث عن الكلفة ذي جدوى أمام حاجة الدول إلى حماية شعوبها بتأمين احتياجاتها بدأت بالكمامة ولن تنتهى عند المنتجات الغذائية كمفهوم للأمن القومى.
تحدث مسئول المشروع باستفاضة عن الجداول الزمنية للانتهاء من المشروع المنتشر من الضبعة قافزا إلى بنى سويف واللاهون بالفيوم والمنيا في شمال الصعيد. خطط العمل تمضى كما قال مسئول المشروع بخطى ثابتة، وسينتهى في الوقت المحدد له كما كان مخططا من البداية في مجالات الزراعة، سواء لفول الصويا، والذرة، والقمح وغيرها من المنتجات الأخرى.
الجولة وسط زراعات خضراء وسط اللون الأصفر الطاغى في صحراء مصر تدعو للتفاؤل.. كلفة استصلاح الفدان تتعدى الـ ٢٥٠ ألف جنيه، لأنها تعتمد على المياه المعالجة، إضافة إلى المياه الجوفية، محطات المعالجة الضخمة ذات الكلفة العالية، إضافة إلى محطات الرفع جعلت من الكلفة النهائية أرقاما كبيرة بالقياس للاستصلاح في مناطق أخرى.
لا شك أن الزراعة واحدة من القطاعات الإنتاجية التي كنا وما زلنا نتحدث عن أولوية العمل فيها، دون إغفال القطاع الصناعى، باعتبارهما قطاعين إنتاجيين يسهمان في مواجهة الأزمات الاقتصادية الحادة التي نعانى منها.