أسرار مستريح أسوان
من المسلم به أن كل نصاب يبحث عن طامع، وهو ما يفعله كل مستريح يتم القبض عليه بعد خراب مالطا.. الأصل في القضية أن مواطنا طماعا يبحث عن مكسب كبير وسهل يلقى بنفسه في التهلكة.
فإذا كان المواطن قد خضع لنفسه الأمارة بالسوء، فهل الدولة ممثلة في كل أجهزتها لها نفس مثل النفس الإنسانية.. نفس أمارة بالسوء تترك شعبها للنصابين والمجرمين والمسجلين ليلهفوا أموال الشعب؟!
قبل أن يتهمنا البعض بإلقاء اللوم على الدولة دون سند من الحقيقة، فإن الأسئلة التى طرحتها قضايا المستريحين أو أصحاب وهم توظيف الأموال كلها تنبئ بتهمة واضحة ضد الدولة.. كل الدولة.
في الوقت الذى صدعتنا الحكومة فيه بالشمول المالى يحدث في أقصى صعيد مصر أن يتمكن مواطن له سجل إجرامى سابق من جمع مليارى جنيه بالتمام والكمال في بضعة أشهر دون أن يتعرض لمجرد استفسار واحد من جهاز بالدولة المصرية.
هذا المجرم جمع في النهار، وليس بليل، من أموال الفلاحين والبسطاء والأغنياء مليارى جنيه دون أن يشعر به الجهاز الأمني للدولة المصرية.. دون أن يتساءل أحد عن مصير هذه الأموال. ألم يكن من الجائز أن تستخدم هذه الأموال في تمويل عمليات إرهابية مثلا؟ أليس جمع أموال بدون ترخيص لشركة أو مؤسسة يعد جريمة ضد اقتصاد البلد؟ ألا تعد قضايا توظيف الأموال الفردية واحدة من جرائم يعاقب عليها القانون خصوصا أنها لا شكل قانونى لها؟ هل كانت وزارة الداخلية تعلم بما يحدث على أرض أسوان؟
إذا كانت الوزارة قد فوجئت مثلنا نحن المواطنين فتلك مصيبة، أما إذا لم تكن تعلم ما يدور في قرى ومدن ومراكز أسوان بما يحدث فهذه مصيبة أكبر.
تفاصيل مثيرة
الشاهد من الأحداث الأولى أن كل مستريح من المقبوض عليهم ارتكب عددا من الجرائم التى يعاقب عليها القانون دون أن يواجهه أحد.. أحدهم ابتنى على عشرة فدادين من الأراضى الزراعية بناء كبيرا يستقبل فيه المواشى دون أن تتحرك المحافظة لتسأل عن تفاصيل الجريمة.
أحد المستريحين كان يقيم حفلات للإنشاد الدينى ويدعو كبراء البلد من نواب وكبار الموظفين وعلية القوم، ويستقدم كبار المنشدين المعروفين بالصعيد رغم أنه صاحب سجل إجرامى ومسجل خطر.
وأمام حالة المفاجأة التى تعرضت لها الدولة ممثلة في معظم أجهزتها بدا واضحا أن هناك أمورا مسكوت عنها، إذ لا يعقل أن تجرى وقائع هذه الجريمة بتفاصيلها المثيرة دون معرفة السادة ضباط الأمن من الأمن العام وضباط المباحث المتغلغلين في كل بقاع الأرض بحكم عملهم، والسادة ضباط الأمن الوطنى الذين لديهم من الكفاءات ما يجعلهم يعرفون دبة النملة في أبعد نجع من نجوع الصعيد.
ليس منطقيا أيضًا أن المحافظة بأجهزتها التى رأت بأم أعينها بناءً على أراض زراعية دون أن تتحرك وتدق ناقوس الخطر أو تبلغ سلطات الأمن بما يجرى على أرض الواقع. أين كان رؤساء المدن ونواب المحافظ والمحافظ وجيش جرار من الموظفين، وأين كانت مراكز الشرطة وضباط وعساكر ومخبرى المديرية.. أين كان السيد مدير الأمن وأعوانه؟
وزارة الداخلية من جانبها أصدرت بيانا أكدت فيه عدم صحة ما تم تداوله من تورط ضباط مع مصطفي البنك، وأنا شخصيا أصدق بيان الداخلية، ولكن السؤال: إذا لم يكن هناك متورط مع مصطفي البنك بالمشاركة هل هناك متورطون بالصمت أو بالإهمال؟ إذ إن ما حدث ليس مجرد نصاب لهف فلوس الناس.. المسألة أبعد من ذلك وتمثل خطرا أكبر من هذا.
أتصور أن تحقيقا شفافا لا بد وأن يعقبه إجراءات لمواجهة خطر جمع أموال الناس دون أن نعرف أين تذهب هذه الأموال، وهل يمكن أن تصبح جزءا من عملية تمويل أنشطة خطرة على البلاد إذا ما اعتبرنا أن جمع أموال الناس خارج النظام المالى المتعارف عليه ليس جريمة.
القصة هنا ليست تورطا بمفهومه التآمرى.. القضية أن عدم المعرفة بهذا النشاط يوحى بأنك تستطيع أن تفعل ما تريد في مصر، وأن في بلادنا جرائم أخرى لا نعرفها، وقد تمثل خطرا أكبر على أمننا.
الأخطر اجتماعيا أن كل مستريح كان له أعوان ينتمون إلى عائلات شتى وهؤلاء الأعوان أصبحوا الآن متهمون من جيرانهم وأبناء قراهم.. هنا مكمن الخطر.. هل تشهد أسوان حالة انتقام فوضوى تنال من استقرار المجتمع وتتحول إلى ثأر أبدى؟.. أتمنى ألا يحدث.