المنيا - تكساس.. نفر واحد.. نفر واحد !
لابد أن أمرا غريبا كاسحا ضرب الأرض والبشر، فلا الأرض هي الأرض ولا الناس هم الناس. ما يحدث جنون مطبق، يجافى كل ما تعلمته البشرية من قيم وأخلاق وأعراف في الكلام وفي السلوك.
لن نتطرق إلى سفالة الكبار واحتمالات الذهاب إلى النووى، التى تتزايد يوما بعد يوما، ولن نتطرق إلى رحلات جاليفر أمريكا في الثمانين من عمره، ذهب شرقا، يستفز الصين كما استفز روسيا، إذ قال إنه سيدافع عسكريا ويتدخل لصالح تايوان إذا غزت الصين أرضها في تايوان. الأخيرة أرض صينية باعتراف أمريكا ذاتها بمبدأ صين واحدة!
لن نتطرق إلى الغلاء الكاسر الداهم المتوحش، ولا إلى أكاذيب الساسة والمنتفعين فى كل مكان، بل يأخذ بخناق المرء حقا حادثة في المنيا، والثانية في ولاية تكساس الأمريكية. حادثة المنيا فيها روايتان، الأولى هى ما تفشى في المواقع كافة بأن سائق ميكروباص إبتز ركابه بدفع جنيهين زيادة لتكون الأجرة ١٥جنيها، والإ نزل بالسيارة في الترعة وأغرق الجميع!
قتل بدم بارد
من ناحية نزول السيارة فهى نزلت وغرقت ومعها تسعة أشخاص وأصيب خمسة.. أما السائق فقفز قبل إتمام الغرق! استغرب الناس في مجالسهم أن يهدد سائق ميكروباص بإغراق الناس ما لم يدفعوا الأجرة الزيادة.. وأنه نفذ بالفعل تهديده..
لما تتأمل الموقف تتساءل: ما المدي الزمنى بين المطالبة بالزيادة والتنفيذ الفعلي بإغراق السيارة بركابها. هل طلب ركاب النزول والسائق رفض؟ هل حبسهم في سيارته حتى الدفع أو الموت؟ رواية عم إحدى الناجيات أكدت أنه نفذ التهديد وهوى بالسيارة في الترعة.. وهرب.. لكن رواية ناجية أخرى عمرها ٢٥سنة نفت تماما أن السائق طلب زيادة أو ابتز أو هدد.. والإ لغادر الناس السيارة..
الناجية الأولى أكدت لعمها جنون السائق والناجية الثانية برأت السائق.. وهو قيد الحبس الاحتياطى حاليا. وسواء صدقت الرواية الأولى أو الثانية، فنحن أمام خيال عام خصب يميل إلى إختراق المألوف، وخلق قصص تضرب العقل في مقتل. وضرب العقل في مقتل هو قصة شبه يومية متكررة في بلد كبير قوى مفترى مثل الولايات المتحدة.
فقبل أربع وعشرين ساعة خرج سلفادور، ١٨سنة، من بيته مع جدته التى أطلق عليها الرصاص، ونقلوها بين الحياة والموت إلى مستشفى، وركب سيارته ودخل على مدرسة ابتدائية بمسدس وبندقية وأطلق النار علي من وجد من تلاميذ ومعلمين. قتل ١٩طفلا، ومعلما ومعلمة.. وهو أيضا قتل في مطاردة مع الشرطة أصاب خلالها شرطيين..
قبلها بأيام شاب أبيض دخل سوبر ماركت في حي يكتظ بالسود في نيويورك وفتح النيران علي السود وقتل ١٢شخصا.. حادثة المدرسة الابتدائية جعلت رئيس أمريكا ينعى ويعوى: أنا تعبت وسئمت!
شهدت أمريكا ٢٢٤حادثة قتل في ١٤٤يوما.. قتل بلا سبب.. وبلا تمييز، وبتلذذ، وبدم بارد..
جنون الكبار خلق ثقافة العنف داخل المجتمع الواحد.. أنت تطلق النار على العدو الخارجي يهاجمك في وطنك أو بيتك.. وتطلق النار علي لص اقتحم بيتك.. لكن أن تطلق النار على الناس، وأطفال، أنت لا تعرفهم ولا يعرفونك، ولا تاريخ من الضغائن، إنما القتل للقتل؟
شئ ما ضرب مناطق الاتزان في العقل البشرى، فما يحدث يناسب جدا قصة إنتحار كوكب.. أرضا وبشرا.. ورعب أكبر يلوح في الافق..