نفوت على الصحراء.. تخضر !
أنتمى إلى الجيل الذي غنى للرئيس الراحل جمال عبد الناصر. حفظنا اغنيات حليم وصلاح جاهين، حفظناها لأننا صدقناها، وفيها جزء كبير من الحقيقة، لكنها لم تكن أبدا كل الحقيقة، ففي أغنية حليم المسئولية كان الحلم عظيما والكلمات نور وطاقة وطموحا، كتبها صلاح جاهين بقلبه العاشق لوطنه وللزعيم وقتها، ولحنها كمال الطويل.. وهكذا قال جاهين، وغنى عبد الحليم في مقطع:
دى مـاهيــش أمـانـى، وكـلام أغانـى
ده بـر تانــى، قصــادنـا، قــريـب
يـا معـداويـة
ريسنـــا مــــلاح، ومعــدينـــا
عامــــل وفـــلاح، مـن أهالينـــا
ومنــا فينــا المــوج، والمـركـــب
والصحبـــه، والــريس والزينــــه
نفـوت علـى الصحــرا، تخضــــر
نشقـــى، خــدود النــاس تحمـــر
لا يمكن تكذيب هذه الرؤية، فقد تحققت جزئيا في مشروعات الوادي الجديد، ومديرية التحرير، وفي السد العالي الذي علمونا وقتها أنه سيزيد الرقعة الزراعية.. لكن ما غناه حليم، وكتبه جاهين، ورددناه في طوابير الصباح بالمدارس، لم يكتمل، وغلبت فيه الدعاية على الحقيقة.. ثم غلب الحلم وقهره ما حذر منه الرئيس السيسي بلهجة منذرة حزينة..
بناء الوعي
تابع المصريون تلك المساحات الشاسعة من الصحراء التى اخضرت، أكثر من ٣٥٠ ألف فدان مزروعة محاصيل استراتيجية وخضراوت وفواكة، وكم المعلومات الحقيقية الهائلة ومع الشرح التفصيلي للمسئولين عن المشروع، ثم جاءت مداخلات الرئيس لتستوضح للناس، ليبين للرأي العام، بكم هذه المشروعات، ولمن، وكيف.. إنه في حالة بناء وعي مستمر..
يطلب الرئيس من الوزراء المعنيين المزيد من المعلومات والارقام وتبسيطها، أو يقوم بتبسيطها وبيان أهميتها.. ومن بين كل ماقالوا جميعهم،علي مدي فاق الثلاث ساعات، كانت كلمة الرئيس: "خايف أن إحنا نبقا جاحدين للى ربنا عملهونا.. خايف أنه هو يسلط علينا اأنفسنا فندمر، ومن القرأن قال: "أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا"، ثم كان التحذير: "خايف من كتر الجهل وعدم الوعي نخرب ده".
نبرة الصوت تعكس الإحساس بالتعب المبذول، من الدولة وقياداتها، وسط سيول من الجحود العام! هذه هى المشكلة: إنه يحاول أن يرضي الناس بالمتاح وأن يضاعف المتاح، لكن الظرف الوبائي تحالف مع الظرف السياسي الدولى، فارتفعت في الأجواء سموم الافاعي، تشكك وتسخط وتحرض..
واجه الرئيس من قبل أياما وسنوات شديدة القسوة، وضغوطا داخلية وخارجية، وكانت التربة السياسية المصرية ممزقة ومشققة وذات صدوع وفوالق، وفي المجتمع مارقون وباعة ولاءات، لكنه لم يفقد ثقته بقدرة الجيش والشعب علي التخطى وعلي البناء. لم يكن لدينا ما نفقده الإ الارض ذاتها. الوطن. السيادة. الهوية. هو حافظ علي هذه المقدرات العظيمة. لكن الأن هو بنى وشيد واضاف والشعب دفع ويدفع لأنه يصدقه، ومع ذلك كان تحذيره من أن الجهل وعدم الوعي ممكن أن يضيعوا كل هذه الانجازات..
أبدا لن تضيع لأن الناس بالصبر والتضحية والتحمل هي صاحبة كل هذا التعمير، ومن المستحيل أن يسمح الشعب لأي عميل أو إرهابي أو محرض أن يقضي علي الزرع والضرع.. المسئولية الآن تحتاج حليم جديدا يغنيها وجاهين جديدا يكتبها.. ويغنيها الشعب لأنها صارت حقيقة لا خيالا.
ثقافة الإنكار الشائعة تستثمر حالة عدم الرضا بسبب الغلاء الدولي.. فلنحذر..