رئيس التحرير
عصام كامل

قولوا للي أكل الحرام يخاف

هل يأكل المصريون الحرام؟ سؤال يطرح نفسه بقوة في ظل كثير من التغيرات والمتغيرات التي ضربت المجتمع المصري بقوة في السنوات الأخيرة. دعنا نتفق بداية على كثرة وتعدد وغزارة النصوص الدينية التي تنهى عن أكل الحرام بصوره كافة، فكما انشغل القرآن الكريم بهذه القضية وتشدد في مواضع شتى في النهي عن الحصول والاستيلاء على المال الحرام، فإن هناك أحاديث نبوية صحيحة، ومواقف للنبي الكريم وصحابته الكرام تؤكد عمليًا خوفهم من أن يدخل جوفهم ما لا يحل لهم، ولو على سبيل الشبهة والريبة.


قضايا المستريحين الأخيرة تعكس حالة السعار التي أصابت المصريين من الطرفين: الجاني والمجنى عليه؛ فكلاهما يعلم تمام العلم أنه يقترف سلوكًا آثمًا، ولكن شهوة المكسب السريع أعمت عينيه وقلبه، ولا شك أن المكاسب الناجمة عن هذه المعاملات المالية مُجرمة ومحرمة.
وبعيدًا عن هذه النوعية من القضايا التي اجتاحت المجتمع المصري مؤخرًا، ريفًا وحضرًا، فإن هناك وجوهًا عديدة لـ أكل الحرام، يحتاج حصرها ورصدها إلى فرق عمل محترفة، ولن تفلح في إنجاز المهمة.


الشخص الذي يناور في الحصول على مقابل مالي كبير لا يقابله عمل أو خدمة مناسبة يأكل حرامًا؛ مثل الطبيب الذي يغالي في أجره، أو يستغل حالة مريضه، فيراكم  عليه الأعباء؛ بهدف استنزافه وتنفيض جيوبه، وكذلك مثل المدرس الذي يهمل دوره في المدرسة؛ ليطوف على منازل تلاميذه؛ حاصدًا مالًا لا يستحقه، ومثل العامل الذي يتفنن في التكاسل والتخاذل عن أداء دوره بطرق وأساليب لا تخفى على أحد.

الحلال والحرام


قد تقودك ظروفك الصحية مثلًا إلى الذهاب إلى مستشفى خاص؛ فسرعان ما تكتشف أنك وقعت في فخ عميق؛ حيث يتسابق الجميع على استنزافك بألاعيب شيطانية؛ لتكتشف في نهاية الأمر أنك مطالب بسداد فاتورة خرافية لم تستفد من معظم البنود الواردة فيها.


وربما تدفعك الظروف إلى الاستعانة بخدمات مركز لصيانة سيارتك؛ فيستغل مالك المركز الفرصة لانتزاع بعض الأجزاء منها؛ لإصلاح سيارة أخرى، في عملية نصب مُحكمة، لن تكتشفها سريعًا. الغش والتدليس ليسا قاصرين على ما تقدم، ولكنهما امتدا بشكل كبير إلي كل ما يتعلق بالسلع الغذائية دون ضابط أو رابط. ورغم كثرة الأجهزة الرقابية في مصر فإنها تأتي دائمًا متأخرة، وتلك طامة أخرى.


أسراب المتسولين الذين يملأون الشوارع والميادين ويخرجون من تحت الأرض في الوقت المناسب احترفوا أيضًا أكل الحرام؛ حيث يسألون الناس إلحافًا، ويستخدمون المكر واللؤم؛ بهدف الحصول على مال لا يستحقونه من حسنى النوايا والقلوب الرحيمة.


وبمرور الوقت.. تحول أكل الحرام إلى كيانات مؤسسية في غياب من القانون أو تغييبه، وأصبحت أشبه بحيتان ضخمة تلتهم أموال ضحاياها بطرق تبدو شرعية وإيصالات تبدو قانونية. 


ولعلنا في هذه الأيام نعيش نبوءة النبي الكريم: "ليأتين على الناس زمانٌ لا يبالي المرء بما أخذ المال من الحلال أم من الحرام"، فجميعنا –إلا من رحم ربي- يعتبر نفسه يخوض سباقًا من أجل الحصول على المال من حِلٍّ ومن حَرَمٍ، في الوقت الذي يُروى فيه عن عمر بن الخطاب: "كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام"، وربما كان ذلك إعمالًا  لقول النبي الكريم: "إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه". 

 

 

وأكل الحرام يورث الخراب في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: "يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ"، وقول النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به"، وقوله أيضًا: "إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة". فيا ليتنا جميعًا نتحرى الحلال في كل ما نحصل عليه من مال، ولا نجعل الظروف الاقتصادية الصعبة مبررًا للاستيلاء على ما لا نستحق.

الجريدة الرسمية