زي النهارده.. كيف نجح عمر مكرم في عزل خورشيد باشا واختيار محمد علي واليًا على مصر
في مثل هذا اليوم من عام 1805، قاد الشيخ عمر مكرم نقيب الأشراف أنذاك ثورة شعبية ضد تعسف الوالي العثماني خورشيد باشا، وقد نجحت هذه الثورة في إقصائه عن الحكم واختيار محمد علي باشا واليًا على مصر.
زعيم شعبي
عمر مكرم بن حسين السيوطي، من مواليد 1750 بمحافظة أسيوط، تعلم في الأزهر الشريف، وولي نقابة الأشراف في مصر عام 1793، وفرض اسمه على الساحة كزعيم شعبي عندما قاد انتفاضة ضد ظلم الحاكمين المملوكيين "إبراهيم بك" و"مراد بك" عام 1795م ورفع لواء المطالبة بالشريعة والتحاكم إليها كمطلب أساسي كما طالب برفع الضرائب عن كاهل الفقراء وإقامة العدل في الرعية.
تميزت حياة عمر مكرم بالجهاد المستمر ضد الاحتلال الأجنبي، والنضال الدؤوب ضد استبداد الولاة وظلمهم، وكان ينطلق في هذا وذاك من وعي إسلامي عميق وفذ وإيجابي، وعندما اقترب الفرنسيون من القاهرة سنة 1798 قام السيد عمر مكرم بتعبئة الجماهير للمشاركة في القتال إلى جانب الجيش النظامي ـ جيش المماليك في ذلك الوقت ـ.
وعندما سقطت القاهرة بأيدي الفرنسيين، عرض عليه الفرنسيون عضوية الديوان الأول إلا أنه رفض ذلك، بل فضل الهروب من مصر كلها حتى لا يظل تحت رحمة الفرنسيين، ثم عاد عمر مكرم إلى القاهرة وتظاهر بالاعتزال في بيته لكنه كان يعد العدة مع عدد من علماء الأزهر وزعماء الشعب لثورة كبرى ضد الاحتلال الفرنسي.
اندلعت الثورة بالفعل في عام 1800م فيما يعرف بثورة القاهرة الثانية، وكان عمر مكرم من زعماء تلك الثورة، فلما خمدت اضطر إلى الهروب مرة أخرى خارج مصر حتى لا يقع في قبضة الفرنسيين الذين عرفوا أنه أحد زعماء الثورة وقاموا بمصادرة أملاكه بعد أن أفلت هو من أيديهم، وظل خارج مصر حتى رحيل الحملة الفرنسية سنة 1801م.
عاد مرة أخرى ليقود المقاومة الشعبية ضد حملة فريزر الإنجليزية 1807م، ونجحت المقاومة في هزيمة فريزر في الحماد ورشيد مما اضطره إلى الجلاء عن مصر، واستمر نضاله ضد الاستبداد والمظالم، وحشد ضد الوالي خورشيد باشا سنة 1805، وخرج بثورة ضده في أنحاء القاهرة واجتمع مع علماء الأزهـر وأضربوا عن إلقاء الدروس وأقفلت دكاكين المدينة وأسواقها، واحتشدت الجماهير في الشوارع والميادين يضجون ويصخبون.
بدأت المفاوضات مع الوالي للرجوع عن تصرفاته الظالمة، لكن هذه المفاوضات فشلت، فطالبت الجماهير بخلع خورشيد، وقام عمر مكرم وعدد من زعماء الشعب برفع الأمر إلى المحكمة الكبرى وسلم الزعماء صورة من مظالمهم على المحكمة.
وفي يوم 13 مايو قرر مكرم والزعماء في دار الحكمة عزل خورشيد باشا وتعيين محمد علي بدلا منه بعد أن أخذوا عليه شرطًا "بأن يسير بالعدل ويقيم الأحكام والشرائع، ويقلع عن المظالم وألا يفعل أمرًا إلا بمشورة العلماء وأنه متى خالف الشروط عزلوه".
وفي يوم 16 مايو 1805 صدرت فتاوى شرعية من المحكمة بشرعية عزل الوالي خورشيد باشا، وانتهى الأمر بعزله بالفعل ونجاح الثورة الشعبيـة وجاءت بمحمد على واليا على مصر بتزكية من عمر مكرم وعلماء الأمة.
لم تستقم الحياة، ودخل عمر مكرم سريعا في خلافات كبرى مع محمد على، وبعد سلسلة من المناوشات بينهما، قرر الحاكم الجديد نفي عمر مكرم لما يقرب من 10 سنوات، وعندما عاد مرة أخرى كان العمر قد نال منه؛ فآثر الابتعاد عن الحياة العامة، وتوفي عام 1822 بعد أن عاش آلام الشعب، وسعى لتحقيق آماله، وتحمل العنت من أجل مبادئه.