في انتظار الشهيد
حشود من الناس تقف على جانب الطريق، لا صوت، ولا حركة، ولا سيارات قريبة أو بعيدة تشير إلى أن التجمعات الممتدة لمسافة طويلة بسبب حادث مروري، التجمعات مقسمة وفقًا للفئة العمرية، كبار السن شكلوا دوائر صغيرة، ومثلهم الشباب، وعلى بعد منهم كان الأطفال، مشهد يستوجب التوقف والسؤال، سألت.. فكان الجواب: نحن في انتظار الشهيد محمود سامي رمضان.
الحشود الممتدة كانت على بعد بضعة كيلو مترات من قرية ميت حبيب مسقط رأس الشهيد، وهي تابعة لمركز بلبيس بالشرقية، ركنت سيارتي بجوار محطة وقود تبعد قليلًا عن الحلقة الأخيرة من الحشود، وعدت لأتجول بين الناس مستهدفًا أسرة الشهيد، لم أسأل عنها، واعتمدت على التقليد المتبع في مثل هذه الظروف، فمن أراه منهارًا ويواسيه الناس سيكون من الأسرة، لكني اكتشفت أن التقليد المتبع لا ينطبق على هذه الحالة، فقد فشلت في العثور على شخص واحد منهار، أو يواسيه الحضور، والمفاجأة أن أغلب المتواجدين لا تربطهم علاقة بالشهيد، ولا هم من قريته، أغلبهم جاء من القرى المحيطة ومن مركز بلبيس للمشاركة في الجنازة.
مشهد مهيب
اقتربت من حلقة شبابية كل من فيها صامتون، همست في أذن أحدهم: متى يصل جثمان الشهيد؟ فقال: الشهيد محمود في الطريق. سألته: هل هو قريبك؟ قال هو صديقنا كلنا، وبدأ يحكي عن أخلاق محمود وسعادته وفخره المستمر بتأديته الخدمة العسكرية.
بعيدًا عن الحكايات التي استمعت إليها من شباب آخرين عن صديقهم الشهيد، لاحظت أن الجميع يقف مرفوع الرأس، وكأنهم في انتظار حفل زفاف محمود، حتى كبار السن.. لم يتعبهم الوقوف لأكثر من ساعتين، لا بكاء، ولا دموع، كل الرؤوس مرفوعة، وكأن استشهاد محمود منح الجميع وسام الشهامة والوطنية.
جاء محمود.. فتعالت الهتافات.. الله أكبر، ولا إله إلا الله والشهيد حبيب الله. سارالجميع خلف الشهيد في مشهد مهيب تقشعر له الأبدان، وعدت أنا لأجلس في سيارتي لأكثر من ساعة، أمسكت بهاتفي ومررت على بعض المواقع الإخبارية، فوجدت مشاهد لجنازات زملاء محمود، فيها نفس الهتاف، ونفس الهامات المرفوعة، وفيها الرغبة في الثأر للشهداء.
تمنيت لو شاهدت على الشاشات هذه الدروس في الوطنية التي شاهدتها في الجنازات، وتمنيت لو توقفت الشماتة من أعداء الوطن، وتمنيت أيضًا ضبط تصريحات البعض عن التضحية من أجل الوطن، ومنها تصريح نقيب الممثلين أشرف زكي الذي أكد أنه كفنان لا يقل عن الجندي الذي يقف على الجبهة.
فللجبهة رجالها الذين يضحون بأرواحهم ليعمل أشرف زكي في أمان، ويعيش في رخاء.
besheerhassan7@gmail.com