رئيس التحرير
عصام كامل

الاختيار الموازي (4)

حالة الغليان التي شهدها الشارع بعد قرارات الدكتور محمد مرسي انعكست على أداء القنوات في مدينة الإنتاج الإعلامي، ووصلت إلى ذروتها بالإعلان الدستوري المكمل، لم تفلح محاولات الإخوان في تخويف الشباب الثائر، ولا في تخويف بعض الإعلاميين، فقد كان مكتب إرشاد الجماعة في المقطم قبلة للثوار في ساعات النهار، وكانت فعاليات حصارهم للمكتب مادة للقنوات في برامج المساء.

استخدمت الجماعة بعض القنوات التي أسستها لتكون ذراعًا لها في إقناع الرأي العام، كما استخدمت قنوات أخرى تملق أصحابها الجماعة مثلما تملقوا من قبل نظام الرئيس مبارك، أما المذيعين الذين تلونوا بلون الجماعة فقد أخذوا على عاتقهم الدفاع عن قرارات الدكتور مرسي، وحاولوا استقطاب الشباب الثائر لإقناعه بالتوقف عن الهجوم على الرئيس وقيادات الجماعة، ومن هؤلاء من كانوا مستشارين لمرسي وحكومته.

على الجانب الآخر.. أعلن بعض المذيعين عن موقفهم من حكم جماعة الإخوان منذ إعلان النتيجة وفوز الدكتور محمد مرسي، ومن هؤلاء توفيق عكاشة، الذي سبق الجميع في انتقاد الإخوان، ورفض كل القرارات التي أصدرها الدكتور محمد مرسي، كان عكاشة واضحًا في مساندته للجيش ورفضه للإخوان، لذلك بادر بالدعوة للتظاهر ضد الجماعة، وكان هو في مقدمة المتظاهرين، الذين لبوا دعوته، وجاءوه من كل محافظات مصر.

توفيق عكاشة والإخوان

كان توفيق عكاشة صداعًا في رأس الإخوان، لتمتعه بجماهيرية لم يسبقه إليها أحد، كما أنه دأب على مخاطبة نفس الفئة التي عمل الإخوان على استقطابها طوال عقود، وهي فئة البسطاء في أقاليم مصر المختلفة. خرج عكاشة من القاهرة ليجوب محافظات مصر نهارًا رافعًا شعار (لا للإخوان) وفي المساء يطل من شاشة قناته (الفراعين) ليواصل هجومه على الجماعة، مدعومًا بما صورته كاميراته في الجولات.

لم يكن توفيق عكاشة صداعًا في رأس الإخوان فقط.. لكنه كان صداعًا في رأس كل من يعاونهم من المذيعين والصحفيين وأصحاب القنوات، وأتذكر أن صاحب إحدى القنوات طلب مني التوسط لوقف هجوم توفيق عكاشة عليه، وطلب أحدهم مساعدته بالمال لوقف الهجوم، منتهزًا حاجة القناة للمال في ذلك الوقت، ولأنني كنت أعلم أن توفيق عكاشة كانت رسالته واضحة.. رفضت التوسط في البداية، وبعد أسبوع إلتقيته صدفة أمام قناة الفراعين، وأبلغته الرسالة، وحدث ما كنت أتوقعه، فقد ضاعف توفيق عكاشة من هجومه..

وأتذكر أن أحد المذيعين طلب مني التوسط أيضًا لوقف هجوم توفيق عكاشة عليه وعلى أسرته، وكان هذا المذيع يعمل مع الإخوان، بل كان ذراع الجماعة في مدينة الإنتاج، وتوسطت، فضاعف توفيق الهجوم، وكم من صحفيين ورؤساء تحرير كانوا هدفًا لتوفيق عكاشة بسبب مساندتهم للجماعة، والعجيب أنهم ما زالوا حتى الآن في صدارة المشهد الإعلامي، أما توفيق عكاشة ففي منزله مصاب بالحسرة.

كان توفيق عكاشة هدفًا للجماعة، حاصروا قناته أكثر من مرة، وهددوه، وأتذكر أنني ذهبت إليه في الفراعين لأطمئن على سلامة خروجه من مدينة الإنتاج، فوجدته في إحدى الطرقات، مرتديًا جلباب بلدي وقد وضع الشال على رأسه وأخفى به وجهه، وخرج إلى سيارته بسرعة، ولأنهم كانوا يعرفون سائقه.. طلب من الزميل خالد مخلص مدير البرامج في القناة أن يقود السيارة، وتمكن من الخروج.

حكايات توفيق عكاشة مع الإخوان كثيرة، والوقفة مع دوره قد تطول، لذلك ربما نعود إليها في وقت لاحق باعتباره ظاهرة في ذلك الوقت.
 في نفس التوقيت.. ومع تزايد الإحتجاجات ضد الإخوان.. زحف حازم صلاح أبو إسماعيل ورجاله إلى مدينة الإنتاج الإعلامي لإسكات المذيعين، وضعوا المتاريس أمام البوابات، لا دخول ولا خروج إلا بإذن منهم، كان أمن المدينة يوفر لنا بوابات فرعية بعيدة عن أعينهم، لكنهم سرعان ما كانوا يفطنون لذلك فيتوجهوا إليها، كانوا يبحثون عن إبراهيم عيسى في شنط السيارات، وودوا لو أمسكوا به ولميس الحديدي بعد قولتها الشهيرة للدكتور مرسي (مش أد الشيلة متشيلش) وأتذكر أن أحد قياداتهم إقتحم الهواء على الإعلامي سيد على ووجه له العديد من الشتائم لأنه هاجم المرشد والشاطر والجماعة، وعندما رد عليه سيد على توعده بالويلات، وحاولت الجماعة بعد ذلك تشويهه من خلال حملة ممنهجة ساهم فيها مذيعون وصحفيون كانوا يعملون لحساب مكتب الإرشاد.

 

 

بعض المذيعين كانوا يتنقلون ما بين مقعد المذيع ومقعد الضيف، أي أنهم لم يكتفوا بكونهم مذيعين.. وأطلوا من الشاشات كضيوف، فكانوا هدفًا للجماعة، وأبرز هؤلاء ريهام نعمان، التي كانت تسلط الضوء على إخفاقات الإخوان في برنامجها ومقالاتها.. ثم تطل من برنامج العاشرة مساءً مع الراحل وائل الإبراشي لتواجه قيادات الإخوان على الهواء حتى أصبحت هي الأخرى هدفًا.
ظلت مدينة الإنتاج الإعلامي على هذا الحال، حتى إنتشرت إستمارات حركة تمرد في ربوع مصر، ومع إقتراب ٣٠ يونيو ووضح المشهد.. بدأ مذيعو الإخوان في الإختفاء، وبدأ معاونوهم من الإعلاميين في القفز من المركب ليلحقوا بمركب ٣٠ يونيو، وقد لحقوا.
besheerhassan7@gmail.com

الجريدة الرسمية