ستر الفقراء يا حكومة
لا يختلف اثنين على أن التقلبات الاقتصادية التي تحدث في العالم منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، قد أصابت الأسواق المصرية بنوع من الفوضى، لا خاسر فيها سوى المواطن الفقير، بعد أن عجزت الحكومة حتى الآن عن وضع قواعد صارمة تستطيع بمقتضاها تثبت أسعار السلع الموجودة بالبلاد قبل تلك الأحداث، ولم يطرأ عليها أي ارتفاعات.
فلا يخفى على أحد ذلك الوضع الفوضوي الذي تشهده الأسواق المصرية منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، في غيبة تامة من الحكومة، وكأن الحرب تدور رحاها على الأراضي المصرية، أو كأننا طرف أصيل في الصراع، بعد أن أصبحت كل السلع على اختلاف أنواعها تباع داخل مصر بأسعار مختلفة ومرتفعة للغاية، ولا تخضع سوى لهوى ومزاج كل تاجر.
في الوقت الذي اكتظت فيه مخازن الموزعين وتجار الجملة بكميات غير كبيرة جدا من السلع المخزنة منذ شهور، انتظارا للبيع بأقصى سعر ممكن، في غيبة من أجهزة الرقابة وتستر من المرتشين الذين باعوا ضمائرهم للشيطان مع العديد من التجار، فى مقابل تحقيق ثروات على حساب الفقراء.
تفعيل القانون
ولعل ما يدعو للأسف فى ما يدور في الأسواق، أن الحكومة قد فشلت فشلا زريعا فى وضع قواعد صارمة، أو تفعيل القانون في حماية المواطن من ذلك الجشع، أو الخروج على أقل تقدير لطمأنة المواطنين بما ستتخده من خطوات لحماية الاقتصاد الوطني، بشكل ينعكس على إستقرار الأسعار، وسط هجمة إعلامية غير مسبوقة تنذر بالخراب من وسائل إعلام معادية، وكتائب إلكترونية تدار من الخارج، تفوقت بشكل قاطع على إعلام الداخل الرديء، انعكست بالتبعية بإحباط غير المسبوق على الأغلبية العظمى من المصريين، وارتباك غير طبيعى بالأسواق.
غير أن ما زاد من ذلك المشهد الفوضوي، ذلك الإحساس غير المعلن من الجميع بارتباك الحكومة في تحديد سياسات واضحة ومعلنة لمعالجة أثار التضخم، بل وخروج قرارات مقيدة للاستيراد والمستوردين، قد يكون لها آثار سلبية على تواجد العديد من السلع ومتطلبات الإنتاج بالأسواق خلال الشهور القادمة، وتنعكس بالسلب على الصناعات الوطنية، وسط شعور بأن القرارات تتخذ دون التشاور مع المتخصصين، أو دراسة آثارها السلبية.
لست بالطبع ضد ما تستهدفة الحكومة من حفاظ على النقد الأجنبي أو ترشيد الواردات من الخارج، لمعالجة آثار التضخم الذي ضرب مصر مع كل دول العالم، غير إننى لا أدرى ذلك الإصرار من الدكتور مصطفى مدبولي وأفراد حكومته على أن تكون قراراتهم فوقية لا تخضع للمناقشة أو استشارة ذوي الشأن والمتخصصين، أو الخروج والإعلان بشفافية عن ماهية قرارات الحكومة والمتستهدف منها، وكيفية معالجة آثارها السلبية، بدلا من ترك الأمر للتأويل والشائعات، والانعكاس بمزيد من الارتباك على الأسعار، التى تزيد من أنين الفقراء.
التلاعب بالفقراء
أجزم أن الأغلبية العظمى من المصريين الذين تحملوا تبعات البرنامج القاسي للإصلاح الاقتصادي منذ عام 2016 وزاد من آلامهم تبعات جائحة كورونا، لا يعنيهم ارتفاع أو انخفاض سعر الدولار أو الذهب، لأن السواد الأعظم منهم لا يمتلك دولارا أو جراما واحدا من الذهب، غير أن ما يعنيه سعر رغيف العيش وزجاجة الزيت وكيس السكر والأرز والمكرونة الذي سيقتات به وأسرته، غير أنه يبدو أن هذه الحقيقة لم تصل بعد إلى أذهان الحكومة، التي تركت بسلبيتها المجال للصوص والحرامية، للتلاعب بالفقراء وطموحهم فى الستر ولا شيء غير الستر.
اؤكد أن الارتباك المتصاعد منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في الأسواق المصرية يفرض على الدكتور مصطفي مدبولي وحكومته ضرورة تدارك الأمر، والخروج بقرارات حازمة توفر الأمان للفقراء، وتمنع اللصوص من الاستفراد بالأسعار وتكوين ثروات على حساب أدنى حقوق المصريين في الحياة، مع التعامل مع قرارات مواجهة الأزمة بشفافية واعلانها بإجابيتها وسلبيتها للجميع، لقطع الطريق أمام تأويل الإعلام الخارجي، وارتباك الأسواق، الذي يتحمل فاتورته الفقراء من المصريين.
أعلم ما تواجهه الحكومة من تحديدات فرضت عليها وعلى الميزانية أعباء لم تكن في الحسبان، غير أن المسئولية تفرض عليها ضرورة المصارحة وعدم ترك الأسواق لتلاعب فئة لا تمتلك الحد الأدنى من تأنيب الضمير، وتأويل إعلام وكتائب إلكترونية تعمل من الخارج لأهداف غير وطنية وتشكل وجدان الفقراء، وتزيدهم الآما فوق الآلام.. وكفى.