رئيس التحرير
عصام كامل

مصالحة بالـ"الآر بى جى"


"مصالحة مع مين يا حيلتها.. لما نبقى عاجزين عن أننا نرجع مرسى للكرسى، ولما المرشد ترجع له كرامته والدستورية تتحل والنائب العام الغلط يمشى وحكومة قنديل الشرعية ترجع والسيسى الخائن لرئيسه وقائده الأعلى يتعزل والقضاء يتطهر والإعلام الفاسد يتقفل والمسيحيين يتأدبوا والعلمانيين يدخلوا السجون والدعارة والمخدرات اللى فى التحرير تنتهى وحمدين والبرادعى يتعدموا وبتوع تمرد يتربوا من جديد بالفلكة على خلفياتهم وشفيق وضاحى خلفان يغوروا فى داهية مع الإمارات بتاعتهم والإسلام يرجع يحكم تانى والشيوخ يحطوا الدستور والانتخابات تتعمل بعد كده وتحترموا نتائجها.. غير كده مالكوش عندنا غير السلاح والقوة ومفيش يوم راحة هاتشوفوه فى البلد دى يامصريين يا فلول".


تلك الكلمات كانت خلاصة وجهة نظر الموظف "الإخوانجى" الذى دخل فى جدال مع ركاب إحدى عربات مترو الأنفاق المتجه إلى المرج ليلة أمس، فى إطار رده على عامل بسيط غير مهندم الثياب وبدت عليه علامات الشقاء من "ورديتين شغل" بمصنعه فى حلوان، طرح كلمة "المصالحة" والعودة إلى الوطن بدلاً من البكاء على مناصب ثبت بشكل قاطع أن الإخوان غير آهلين لمسئولياتها، وما هى إلا ساعات نهار جديد حتى شهدت سيناء الرد العملى الإخوانجى على استجابة الجيش لحالة الغضب الشعبى على حكومة تنظيم دولى تفكك دولة عظيمة بحجم مصر، فكانت قذيفة الـ"آر بى جى" تقتل 4 عمال وتصيب 20 آخرين داخل حافلة تقلهم بسيناء.

التعليق النظرى للموظف الإخوانجى أو المتأخون والذى ربما كانت عادته وكثيرين أمثاله الاستجابة لمعطيات السلطة بغض النظر عن توجهاتها وسياساتها، لم يختلف كثيراً عما يرد على ألسنة قيادات الجماعة الإرهابية المرتدية زى القتلة تحت "نقاب" العنف، حينما تظهر محرضة على الجريمة ممارسة نفس الخطاب التكفيرى الاستبعادى ضد المصريين الناقمين على حكمها طيلة عام مضى ضاع من أعمارهم.

فى المقابل كانت كلمات العامل التى تحدثت عن إعادة بناء وطن بأسلوب تنتفى معه صفة الدونية عن أى من أبنائه بغض النظر عن دينه ومذهبه وطبقته الاجتماعية وتوجهه السياسى، مثالاً ونموذجاً لفكر مصرى لم تفسده البيروقراطية المتحالفة مع الرأسمالية بأسوأ أشكالها وأقذر صورها، والتى نمت طفيلياتها مع الانفتاح الساداتى الأهوج وترعرعت فى ظل حكومات مباركية أسقطت البنية الاجتماعية والمجتمعية المصرية وأركانها الأساسية، حتى أتت أسوأ أشكال الرأسمالية بنموذجها الريعى-التجارى مع حكم الفاشية الدينية ممثلة فى الجماعة وأخواتها.

حينما تراجع سياسات الإخوان وتطبيقاتها قبل الحكم وفى ظله وبعده، تجدها تعتمد فكرة "الكفالة" فى الإسلام بتطبيق بشرى دنيء يتجاوز لعبة العصا والجزرة مع المجتمعات المفقرة بفعل النظام، وطورت الجماعة مفهوم "الكفالة" من أبسط صوره "شنطة الزيت والسكر لمؤيديها فى الانتخابات"، إلى أسوأ وأخطر تطبيقاته على الدولة وشعبها "الأخونة وتمكين أبناء الجماعة وحدهم من مفاصل الدولة ووظائفها العليا والدنيا دون القياس على كفاءاتهم ومهاراتهم وتخصصاتهم"، لذا جاءت بأحد أضعف الصحفيين وزيراً للإعلام وبمندوب مبيعات للاستثمار وبقنديل ومرسى نائبين عن الشاطر والمرشد فى حكومة استكملت جرائم النظام السابق بحق الشعب وساعدت على هروب قياداته من العدالة وتسامحت مع رجاله ناهبى المال العام، وأضافت إليها تقسيم المجتمع على أساس الولاء وتكفير المخالفين لها والتعريض بهم.

ولأن المجتمع المهلهل جراء حكم 31 عاماً لمبارك ورجاله ثم جماعته "الدينية" صاحبة الفوضى التى قصدها بديلاً حال غيابه، كان إرثه حاضراً على لسان خلفه مرسى حينما كرر عبارته "أنا أو الفوضى"، وكأن المصريين كُتب عليهم العيش تحت قمع وذُل حكوماتهم أو إرهابها الصريح.

قِس على ذلك ما يردده خطباء مساجد خارج سيطرة الدولة وبعيدة عن أعين الأزهر وخاضعة دوماً لإمرة وزير الأوقاف الموالى للسلطة أو الجمعيات المنشأة عبر أشخاص يحملون أفكاراً جهادية تكفيرية، ونتاج الخطاب الدينى المتطرف المتكرر كل جمعة، والمتزايد بفعل إحياء هذه الجماعات دروس السبت ومحاضرات عصر رمضان اليومية، تكتشف منبع التغذية العكسية المضادة لثورة المصريين على أوضاعهم وسوء معيشتهم، والتى أفرزت موظفاً عبداً يؤيد السلطة والقوة لأبعد حدودها وأعنف إرهابها وإرهابى يحمل السلاح لقتل بنى وطنه، مقابل عامل بسيط يستقيم مع ذاته ووطنه وثورة شعبه ولا يبتغى إلا وجه الله ثم وجه الوطن والشعب دون استبعاد أو استثناء.

المصالحة الوطنية تقف التحالفات الدينية السلطوية القمعية الإرهابية ضدها مستعينة بالجهل والعوز والأمية والتطرف، مترجمة مواقفها من المصريين وحقوقهم بطلقات الآر بى جى فى صدورهم، بمباركة منحرفين من المتثقفين والمتلونين والطفيليين وكُتاب السبوبة، فى مواجهة الشعب وأبناء الوطن الواحد بأدوارهم المتباينة كل فى موقعه، العامل على الماكينة والفلاح على أرضه والجندى على الحدود والشرطى فى الشارع، وجريمة الأمس المتكررة بحق الشعب ومثلها بحق جيشه تؤيد حقيقة أن المعركة التى لا غالب فيها إلا الشعب لن تحسمها مواقف التنظيم واجتماعاته بتركيا وتحالفاته مع الصهاينة والأمريكان والجماعات الإرهابية المتناثرة حول العالم.
الجريدة الرسمية