رئيس التحرير
عصام كامل

كيف ذهبوا بـ المرحوم إلى المحكمة؟

ينشد الإنسان العدالة طوال حياته كأحد أهم احتياجاته، ويمتد احتياجه للعدالة إلى ما بعد الموت، فلا يطيب للمرء أن تتلوث سمعته بعد موته، ويلحق العار بذويه، وهو حق كفله الدستور كما كفلته التشريعات ومن بينها قانونا النيابة الإدارية والخدمة المدنية، واللذان أكدا انقضاء الدعوى التأديبية بوفاة المتهم، وعلة المشرع في ذلك ذات بعد إنساني لا يمكن تجاهله، ولكن هناك من أسقط كل هذه الاعتبارات الإنسانية، وأحدث جرحًا معنويًا أليمًا دون وجه حق لدى بعض الأبرياء؛ فما الذي حدث..

ومن هذه الوقائع الغريبة إحالة موظف كبير بوزارة التضامن الإجتماعي للمحاكمة التأديبية بعد وفاته بأكثر من خمسة أشهر نتيجة عدم استحضار صحيفة الحالة الوظيفية الخاصة به قبل إيداع أوراق القضية سكرتارية المحكمة، إذ لو كان قد تم طلبها قبل إيداع الدعوى مباشرة، لكان قد تبين وفاة الموظف، وانقضاء الدعوى لوفاته، وقد يتصل علم الجيران والأقارب بالواقعة فتتحرك الاتهامات ويدور الغمز واللمز.

ولا ينبغي أن نغفل الضرر النفسي الذي يلحق بأسرة المتوفي المحال للمحاكمة التأديبية بعد وفاته بأشهر، فبعد أن صعدت روحه واستقر جسده في مثواه، يصلهم إخطار من المحكمة التأديبية بتحديد موعد جلسة محاكمته بوصفه متهمًا، فتتجدد الشجون والآلام وتثور الشكوك حول مسلك رب الأسرة، هل كان مجرمًا؟ هل إكتسب أمواله من حرام؟ وغير ذلك من الأسئلة الحائرة التي تُبقيهم في خزي وألم غير مبرر، وهنا كان لا بد لنا من وقفة مع حالة تحدُث للمرة الثالثة، فماذا حدث في هذه الواقعة؟

أصل الحكاية

وكانت النيابة الإدارية أقامت الدعوى 24 لسنة 64 قضائية عليا بإيداع أوراقها قلم المحكمة التأديبية في 13 يناير 2022، مشتملة على ملف تحقيقات القضية (84) لسنة 2021 رئاسة الهيئة، وتقرير إتهام ضد كل من مدير عام إدارة التأهيل بوزارة التضامن الاجتماعي وكبير أخصائيين بالإدارة العامة لتأهيل المعاقين بالوزارة، (المتوفى) وأخصائي اجتماعي ورئيس قسم وسكرتير وأخصائي اجتماعي.

وتضمن تقرير الاتهام أن المتهم الأول بوصفه السابق وبدائرة عمله خرج على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يؤد العمل المنوط به بأمانة ولم يحافظ على كرامة وظيفته ولم يحافظ على أموال الجهة التي يعمل بها ولم يلتزم بما ورد في مدونة السلوك وأخلاقيات الخدمة المدنية، وذلك بأن اختلس على الأموال المخصصة لتأهيل وتدريب المعاقين بسبب إهمال باقي المحالين.

وبجلسة 23/ 2/ 2022 قدمت النيابة الإدارية شهادة رسمية بوفاة المحال الثاني، بتاريخ 23/ 8 /  2020، أي في تاريخ سابق على إيداع أوراق الدعوى الماثلة سكرتارية المحكمة بتاريخ 13/ 1/ 2022، بينما قدم المحال الثالث مذكرة دفاع، وبجلسة 2/ 3/ 2022 قدمت الحاضرة عن المحال الأول حافظة مستندات، وقدم الحاضر عن المحالين من الثالث حتى السادس مذكرة دفاع.

الخصومة القضائية

وقالت المحكمة عبر أسباب حكمها إن الخصومة القضائية هي حالة قانونية تنشأ عن مباشرة الادعاء لدى القضاء أو بالالتجاء إليه بوسيلة الدعوى أو الطعن، وقد حدد القانون إجراءات التقدم بهذا الادعاء الذى ينبني عليه انعقاد الخصومة، وهي التي تقوم على اتصال المدعى بالمحكمة المرفوعة أمامها الدعوى أو الطعن وتكليف المدعى عليه أو المطعون ضده بالمثول أمامها لكونها علاقة بين طرفيها من جهة وبينهما وبين القضاء من جهة أخرى.

فإذا لم تكن ثمة دعوة من أحد الطرفين للآخر إلى التلاقي أمام القضاء، أو لم يكن لأحد الخصمين أو كليهما وجود، فلا تنشأ الخصومة القضائية ولا تنعقد، إذ إن الخصومة لا تقوم إلا بين طرفين من الأحياء، فلا يصح اختصام ميت، ولا تنعقد الخصومة في مواجهته، ويترتب على اختصامه بطلان صحيفة الدعوى أو تقرير الطعن.

والثابت من الأوراق أن المحال الثاني توفي إلى رحمة الله تعالى في تاريخ سابق على إيداع أوراق الدعوى سكرتارية المحكمة بخمسة أشهر، فأقيمت والحال كذلك ضد من لم يعد له وجود واقعا، غير منعقدة في مواجهته الخصومة القضائية من الأساس.

شخص المتهم

ووفقًا للقانون فإن وفاة الموظف المحال للمحاكمة إنما تُفضي إلى وجوب عدم الاستمرار في إجراءات محاكمته، أيا كانت المرحلة التي بلغتها، وذلك بالحكم بانقضاء المسئولية التأديبية قِبَلَه، سواء كان ذلك أمام المحكمة التأديبية المختصة أو أمام المحكمة الإدارية العليا، وذلك إعمالًا لأحد المبادئ الأساسية للنظام العقابي المتمثلة في شخصية العقوبة، فلا تجوز المساءلة إلا في مواجهة شخص المتهم، وهو ما يستلزم بالضرورة كونه على قيد الحياة حتى يُسند إليه الاتهام أو تُنزل عليه العقوبة.

وانتهت المحكمة إلى عدم قبول الدعوى في شأن المحال الثاني لبطلان قرار الإحالة، لوفاته قبل إقامة الدعوى، وقضت بفصل المتهم الأول من الخدمة، لما نُسب إليه وثبت في حقه وخصم أجر 30 يومًا من راتب المحالين الثالث والرابع والخامس والسادس.

المؤلم فيما سبق أن هذه الواقعة ليست الاولى، بل هي الثالثة فيما أمكن لنا حصره، ونشرناه عبر هذا المنبر، وقد تكون الرابعة أو الخامسة ونحن لا ندري، وهو ما يدعونا أن نهيب بالسيد المستشار رئيس هيئة النيابة الإدارية إلى إصدار توجيهاته بتوخي الحذر مسقبلًا حرصًا على مشاعر العاملين بالجهاز الإداري للدولة، ومراعاةً للحقوق التي كفلها القانون، لا سيما وأن النيابة الادارية هي الأمينة على الدعوى التأديبية.. وللحديث بقية.

الجريدة الرسمية