عميد هندسة القاهرة يقاضي رئيس الجامعة (1)
واقعة فريدة تلك التي نحن بصددها اليوم، وسر تفردها لا يكمن في أحداثها بقدر ما يكمن في الباعث على وقوعها، هل هو الخطأ الإجرائي؟ أم الغيرة التي تدب بين أبناء المهنة الواحدة؟ ولكن بعض المهن لا يُتصَوَّر فيها الخروج على أخلاقياتها، وتجمع مظلة هذه المهن أنها مهن أصحاب الرسالات والأهداف السامية التي تستمد أخلاقياتها من عقيدة وقيم ومبادئ المجتمع.
وأساتذة الجامعات يستشعرون عظمة رسالتهم ويؤمنون بأهميتها، لتنمية القيم السامية لدى طلابهم ولزيادة معارفهم، وينهل الباحثون في العلوم التطبيقية والنظرية على حدٍ سواء من العلوم المتخصصة، ويتبارون في عرض نتائج أبحاثهم، وما من جامعة في العالم إلا وتحمل رؤيتها ورسالتها إشارة لأخلاقيات البحث العلمي، وإذا تدخل سدنة المحراب لمساءلة المخطئ في ميدان البحث العلمي.
وهم في هذا الصدد لا يخرجون عن طبيعتهم البشرية التي تُصيب وتُخطيء، ويكون للقضاء القول الفصل في التعقيب على مدى صحة تطبيق اللوائح المنظمة، فماذا حدث؟ وماذا قال القضاء في قضية اليوم؟
أصل الحكاية
كان الدكتور السيد محمد أحمد، عميد كلية الهندسة بجامعة القاهرة أقام دعوى قضائية ضد رئيس الجامعة، طلب في ختامها الحكم بقبول الطعن شكلًا، وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ قرار رئيس الجامعة فيما تضمنه من مجازاته بعقوبة اللوم، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجامعة بالمصروفات.
وذكر شرحًا لطعنه أنه فوجئ بصدور قرار رئيس الجامعة بمجازاته بعقوبة اللوم بزعم خروجه على مقتضى الواجب الوظيفي بأن صرف لنفسه ولوكلاء الكلية ومدراء المراكز البحثية وأعضاء هيئة التدريس والعاملين مكافآت من الصناديق الخاصة والمراكز البحثية دون موافقة رئيس الجامعة، بالمخالفة للقوانين والقواعد واللوائح المالي والكتب الدورية رقمي (6 لسنة 1990، 530 لسنة 1989) وبالمخالفة لقرارات مجلس الجامعة، وتضمن قرار الجزاء إلزامه برد المبالغ المالية التي صرفها لنفسه.
وانتهى الطاعن في دعواه إلى طلب الحكم بإلغاء قرار رئيس جامعة القاهرة رقم 1336 لسنة 2019، فيما تضمنه من توقيع عقوبة اللوم عليه، وإلزامه برد المبالغ المالية التي صرفها لنفسه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
المخالفات المالية
تضمنت وقائع الطعن أنه بناءً على موافقة أمين عام جامعة القاهرة تم تشكيل لجنة من الإدارة العامة للتوجيه المالي والإداري لمراجعة الأعمال المالية للصناديق الخاصة بكلية الهندسة، وإذ قامت اللجنة بالمهمة الموكولة لها وأعدت تقريرًا تضمن بيانًا بالمخالفات المالية التي تكشفت للجنة، وكذا بيانًا بالموظفين المنسوب إليهم هذه المخالفات، ومن بينهم عميد الكلية.
وبعرض التقرير على رئيس الجامعة، أمر بإحالة الموضوع للتحقيق، وبناءً على ذلك تم التحقيق مع الطاعن "عميد كلية الهندسة" وآخرين، وأعد المحقق مذكرة بالتصرف في التحقيق، أوصى في ختامها بتوقيع عقوبة اللوم على الطاعن على سند من خروجه على مقتضى الواجب الوظيفي بأن صرف لنفسه ولوكلاء الكلية ومدراء المراكز البحثية وأعضاء هيئة التدريس والعاملين مكافآت من الصناديق الخاصة والمراكز البحثية دون موافقة رئيس الجامعة، كما أوصى المحقق بإلزام الطاعن برد المبالغ المالية التي صرفها لنفسه دون موافقة السلطة المختصة، ووافق رئيس الجامعة على هذه التوصية.
وباستقراء أوراق التحقيق الذي صدر بناءً عليه قرار مجازاة عميد كلية الهندسة، تبين منها أنه لم يتم سؤال الطاعن ومواجهته بالمسئولية عما هو منسوب إليه بخصوص قيامه بالصرف لنفسه ولوكلاء الكلية ومدراء المراكز البحثية وأعضاء هيئة التدريس والعاملين مكافآت من الصناديق الخاصة والمراكز البحثية دون موافقة رئيس الجامعة، وذلك كاتهام جليّ وواضح ومخالفة إدارية وتأديبية منسوبة إليه حتى يكون على يقين وبيّنة منها، ويستشعر خطورة موقفه ويُحاط علمًا بها ويتبين اتهامه فيها على نحو جدّي وواضح لا لبس فيه ولا غموض، ومن ثم يعمل وينشط ويسعى جاهدًا للدفاع عن نفسه.
جلسة تحقيق
واكتفى المحقق بسؤال الطاعن عن رده على ما جاء في تقرير الإدارة العامة للتوجيه المالي والإداري بشأن مراجعة الأعمال المالية للصناديق الخاصة بكلية الهندسة، وكذا سؤاله عن رأيه بشأن ما ورد بالتقرير المشار إليه من قيامه بصرف مكافآت لإدارة الكلية عن أعمال لا تتناسب مع المستوى الوظيفي للموظف مثل أمين الكلية، وعن قيامه بصرف مكافآت لنفسه عن أعمال إعتيادية لا تمثل جهود غير عادية، مثل متابعة أعمال الصيانة.
وسؤاله أيضًا عن رأيه بشأن ما ورد بالتقرير من قيامه بصرف مكافآت تشجيعية عن ذات الأعمال أكثر من مرة دون وجه حق وأنه يتعين عليه ردها، وأخيرًا، سؤاله عن رأيه فيما ورد بالتقرير من قيامه بصرف المكافآت دون مراعاة القواعد المقررة، دون بيان ماهية هذه القواعد ومصدرها، ولم يتم مواجهة الطاعن بإتهام محدد أو مخالفات معينة منسوبة إليه، الأمر الذي قد يوحي للطاعن بأنه بصدد جلسة إستفسارات وليس جلسة تحقيق.. وللحديث بقية.