فاتن أمل حربي ورسائل درامية للأشرار
في دراما فاتن أمل حربي رسائل نسوية موجهة ضد أهل الشر، الرجال، تجدها مكررة ومستنسخة من تصريحات نسويات ببرامج التوك شو، لكنها تتسع كمحنة مشروع الزواج لتصبح تفاصيلها مسلسلا رمضانيا.. الزوج سيف عنوان أساسي للشر المطلق مع المشوشة فاتن، لكنك تجد في حياتها كل رجل مشوه سيئ السمعة بالضرورة.
فأبوها أمين سر محكمة رجل باع ضميره وعليه أن يقبل بنهايته في المطبخ لغسل الأطباق بعد نيل شيء من رضاء ابنته، وقد تم حشره دراميا بإعادته إلى حياة تونة بعد 30 سنة من غيابه عنها خدمة لفكرة الاستغناء الكامل عن الرجل، والتي تتسق مع مطلب أساسي للنسويات يرتبط بإدعاء مخالفة طاعة الزوج، المبنية شرعا على القيادة بالرفق والمودة والرحمة وتقوى الله، لنص دستوري يتم تأويله دراميا، فتباعا سيقبل الوعي بالضرورة انتقال أمر الطاعة المنزوعة إلى علاقة الطفل بأبيه، وقد تحقق واقعيا بفرض الحضانة شبه الأبدية بالقانون.
زوج صديقتها المسيحية الغائب طوال الحلقات متورط في تجارة غير مشروعة، وزوج الأخرى بطل وقائع عنف ضدها فاستحق الطلاق، والمتقاضية المسيحية تعاشر رجلا لا يطاق.. علماء المؤسسات الدينية أهل جهل ما لم يصبحوا مثل الشيخ يحيى الذي وجد له صناع الدراما مع جهله الواضح فرصة عمل بالخارج بعد ارتداء الاسترتش والجاكت التركي!، ولا يعطله عن اصطحاب تونة زوجة له سوى قانون يرفض استمرار حضانتها لطفلتيها ببلد أبيهما، أدانه الشيخ المودرن نفسه في بداية المسلسل ليستهدف وجود تونة في حياته بالنهاية.
تدليس على المشاعر
هكذا جيب سروال كاتب العمل يظل محملا بملفات سوداء ثقيلة لرجال أشرار، قد يضطر عند رفعه معها إلى استخدام الحمالات رغما عنه خدمة لترسيخ مصطلح أشباه الرجال في الوعي النسوي. "أبويا سابني من 30 سنة ولما سابني مقاليش.. بس انا هاطلع أجدع منك.. أنا اللي هاسيبك وباقول لك". مشهد تتقمص فيه تونة دور القوية ربما لتنتقل فيه بخيال أبناء الطلاق كبارا إلى فضاء خرب من العلاقات مع الأب غير الحاضن، وربما استدعى الكاتب ومراجعو العمل والكيانات الداعمة له سيرة قضايا تخيير الصغار بين الوالدين عند الخامسة عشرة من عمرهم قبل تمريره، لكنهم استدعوا بظني سيرة قضية شهيرة لشخصية دبلوماسية تعرضت للموقف نفسه مع ابنته الإعلامية الشابة أمام المحاكم وشاشات الفضائيات منذ نحو أربع سنوات.
مقطعان في حلقة الأربعاء الأخير استهدفا التدليس على مشاعر ووعي الجمهور بشأن حق الرعاية المشتركة لأطفال الشقاق، الأول تبكي فيه فاتن أمام المحكمة لكسرة أب يطلب مبيت طفله لديه بعد حرمان دام خمس سنوات، لكن الثاني ينسفه تماما حيث يعيد به المؤلف والمراجعون تحذيرات الناشطات النسويات من حق رعاية الآباء أطفالهم "لما ترجعوا العيال المخطوفة الأول نبقى نتكلم في الاستضافة"، وفورا يصور لك المخرج ذلك الأب الشيطان سيف منفردا بابنتيه في مكان غير معلوم لأمهما.
يصحبك المخرج بعدها مباشرة مع الشرير سيف لمشهد محاولة إجبار تونة على أمرين غير منطقيين وغير قانونيين يصر عليهما الكاتب طوال المسلسل، القبول بعودتها زوجة له، والتنازل عن حقوق طفلتين بعد الطلاق.
ومع هذا الإكراه المستمر ضد فاتن يجرى استدعاء نموذج الرجل الشرير مجددا على هيئة مأذون متواطيء بالصمت والتمرير في واقعة محاولة إكراهها على العودة للزواج من مبتز لا يعي قيمة شيء في حياته سوى السير طيلة 30 حلقة حافيا راكعا لأجل استعادة المرأة الذهبية تونة. هكذا صنعه الكاتب كما شكل شخصية بطلته المشردة الجذابة لكل الرجال، أو قل الذكور عنده.
دون قصد لم يكن كاتب العمل نفسه يتخيل أن نرى بطلته طوال الحلقات بحاجة دوما بعد الطلاق إلى رجل في حياتها، لكنه أراد إقناعنا بأن الخلاص من الرجل رمز الشر يعني ضرورة تمكينها من الذهاب في النهاية إلى المحكمة الدستورية طلبا لنسف قانون يرفضه الرجال في الواقع، كما لم يستطع إصلاح النموذج الشرير الأحمق الذي صنعه بقلمه منذ البداية سيف ليمنحك انطباعا بأن الرجل المطلق يستحق العيش مشردا لا العودة لحياة سوية ربما مع أخرى.
رسائل درامية
بينما؛ ودون قصد أيضا، ترك لبعضنا الحق في توقع أن يتحول زوج المستقبل لبطلته إلى شيطان معها وطفلتيها، وقد أجلس في المحكمة العريسين المحتملين الشيخ يحيى ومعلم الأجيال في مقاعد خلف تونة منوها إلى فكرة قيادة النساء كجندر للمستقبل بغض النظر عن مستواهن وقيمتهن. وترك للبعض حق توقع شأن مستقبل أطفال مطلقة أخرى إذا ما تزوجت بالمشوه سيف الذي صنعه، وعاشوا معه بعيدا عن أبيهم بموجب تعديل تشريعي يرجوه وشخصيات عمله.
مشهد الحوار الثلاثي لقضاة المحكمة حول قانون الأحوال الشخصية وإحالته للدستورية، انتهى بعبارة القاضي خالد سرحان "يبقي احنا ملزمين بالقانون مش بالعدل"، فهل هي رسالة مراجعي العمل وصناعه للمشرع أم عبارة سمعها بعضهم في حوار مع شخصيات قضائية حول القانون خارج إطار صناعة الدراما مثلا؟.
دعونا نتوقع أن الرسائل الدرامية الموجهة للأشرار ربما يستهدف بعضها التعجيل بمطالب نسوية بتعديل إجرائي على قانون الأحوال الشخصية بعد اصطناع حوار متوقع لاحقا حول المسلسل وليس القانون الكارثي ذاته، وهو هدف لا ينكره الواقع وتعكسه مشاهد صمت شكيب الإسكندراني المحامي داخل محكمة الأسرة لو كان موكله رجلا مكتفيا بعبارة ماذا أقول، وتفننه في المرافعات مضمونة النتائج لموكلاته النساء.
ولنفترض نحن سوء النية في تلك الرسائل الدرامية المنسوخة من التوك شو حتى يثبت العكس، وأظنه لن يثبت، مع وجود حراك برلماني مواز بتقديم نائبة مقترح مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، ليلتبس الأمر على الناس بين الدراما الكارثية والواقع الأكثر تشوها من شخصياتها والذي يظل تغييره بحاجة إلى عمل فني حقيقي وليس إلى اصطناع الأزمات ثم الطيران لجزر المالديف التي لا أتوقع لنفسي السفر إليها يوما بصحبة امرأة بلا هموم.