حروب أيتام الكرملين والبيت الأبيض
هناك حرب افتراضية بين مؤيدي روسيا وأوكرانيا على مواقع التواصل الاجتماعي بين أيتام موسكو وأيتام أمريكا والغرب، حيث انقسمت الشعوب ما بين التأييد والرفض للغزو الروسي، حيث يجتهد الجميع في التفسير والتنبوء، ولكن الأحداث تتطور من كل الأطراف بشكل عشوائي ودون خط سير محدد ومرسوم. يعني لكل مقام مقال ولكل فعل رد فعل ومن المبكر الحكم على الحملة الروسية بالفشل أو النجاح حتى تتضح أهدافها الحقيقية (وليس الصحفية أو الأولية) ونتائجها النهائية.
وبصرف النظر عن أن أحدًا من مؤيدي بوتين أو رافضيه لم يتوقع قط كل هذا التخبط العسكري للجيش الروسي في أوكرانيا فإن هذا الفشل هو أحد الدلائل القوية علي أن العالم الافتراضي الذي تصوره الرئيس روسي عندما قرر الغزو آخذ في الانهيار.. فضيحة غرق الطراد موسكوفا بصواريخ أوكرانية والعجز عن إنقاذه مضافة إلي فضائح قصور الإمداد والتموين للقوات بالطعام والوقود والدواء، تؤكد الترهل التنظيمي والإداري والمعنوي الذي أصاب الجيش الروسي وفي الداخل الروسي ذاته حيث أصدر بوتين قانونا يفرض السجن لمدة ١٥ عاما علي من ينتقد حربه الوطنية العظمي في أوكرانيا ضد الشر الأطلنطي، علما بأن نصف الشعب الروسي علي الأقل يرفض ما يفعله بوتين..
وفي بداية الحرب كان احتمال هزيمة الجيش الروسى مستحيلًا ، وأي طرح له ضمن الاحتمالات هو ضرب من الجنون، أما الآن بعد تعثر هذا الجيش وإخفاقاته المهينة صار هذا الاحتمال مطروحًا في جميع التحليلات والتقديرات، وبالتالي أصبح احتمال استخدام روسيا للسلاح النووي واردًا لتفادي الهزيمة المذلة، ولهذا يري أيتام أمريكا أن سقوط "هتلر الروسى" يأتى فى سياق انتصار الديموقراطية الحتمى كنظام اجتماعى أثبت أنه أفضل ما وصل إليه الإنسان إلى أن يثبت العكس، لا يمكن أن تبقى مجتمعات تتحكم في إدارتها شرائح مغلقة أرستقراطية، لابد أن تدخل روسيا إلى العالم الديموقراطى قريبا جدا بعد الإطاحة ببوتين..
روسيا والغطرسة الأمريكية
وقد يتم هذا على طريقة "ليلة الجنرالات" في ألمانيا النازية وأن سقوط بوتين بوصفه المستبد الأكبر والمساند الأكثر فاعلية لكل الأنظمة المستبدة سيلحق به بالتبعية سقوط هذه الأنظمة المهترئة، وعلي الطرف الآخر هناك عشر مجموعات موالية لبوتين، تتباهي بأسماء مثل "فلاديمير بوتين قائد العالم الحر" وتضم هذه المجموعات أكثر من 650 ألف عضو فيما بينها، وتتضمن المحتويات المنشورة صورا ورسائل تمدح القائد الروسي، وتكتب هذه المنشورات بعدة لغات، من بينها الإنجليزية والفارسية والعربية، وبالطبع الروسية ولغة الخمير الخاصة بكمبوديا.
ولا تتمتع هذه المجموعات بالشعبية فقط، ولكنها نشطة، فخلال الشهر الماضي، وجد الباحثون أن هذه المجموعات -الموجودة على فيسبوك- نشرت 16500 تغريدة لاقت أكثر من 3 ملايين و600 ألف تفاعل. ويبدو الهدف الأسمى، لكل هذه المجموعات، هو الترويج لبوتين وتصويره على أنه بطل يقف في مواجهة الغرب، مع دعم دولي ساحق.
وكان تلفزيون روسيا اليوم قد بث تقريرًا باللغة العربية عن مؤتمر مؤيد لروسيا عقده نشطاء في لبنان. حمل عنوان “يوم امتنان وفاء لروسيا الاتحادية” عقدته حركة المرابطون الناصرية المستقلة ظنا منها إن روسيا بمواجهتها الغطرسة الأمريكية تغير موازين القوى في العالم، وتمنع أمريكا من اتباع سياساتها الاستبدادية، وتعبر عن الآمال. من العرب والشعوب المظلومة في جميع أنحاء العالم.
ورغم أن بوتين يريد استعادة روسيا القيصرية، ويستعين بالكنيسة الأرثوذكسية، لكن أيتام اليسار يتجاهلون ذلك، ويقولون له: "أنت لينين العصر"، فيما يناديه آخرون “أبو علي بوتين”، واذا كان صحيحا أن الغضب على نطاق واسع يجتاح العالم، وتتزايد التظاهرات المناهضة للحرب ومبادرات التضامن مع الأوكرانيين في ظل القصف والنزوح الجماعي من أوكرانيا، ولكن أيتام اليسار يرون أن موقف بوتين هو النموذج الوطني الصلب والقوى في مواجهة أكبر وأخطر قوة امبريالية في العالم ألا وهي أمريكا..
والتي ما تهاونت ولو للحظة واحدة في تطويق الدب الروسي ومحاولة استنزاف قوته، ولكن بمعيار الدول فإن روسيا في عزلة غير مسبوقة في الأمم المتحدة إثر التصويت لصالح تحقيق دولي امتنع حتى حلفاء مقربون من موسكو مثل فنزويلا وكوبا عن معارضته، وكانت اريتريا هي الدولة الوحيدة التي صوتت ضد القرار مع روسيا، والذي طرحته أوكرانيا على طاولة مجلس حقوق الإنسان في جنيف. ولكن هناك من يري أن العقوبات الاقتصادية العشوائية غير المدرسة على روسيا أضرت أوروبا وأمريكا أكثر بكثير من روسيا التى تقف الصين خلفها داعم ولن تسمح أبدا بسقوطها.