روشتة النهوض من التخلف
النهوض من التخلف ليس مستحيلا.. إنها إرادة وإدارة ويحدث في سنوات معدودة فقط والطريقة معروفة ومحددة، الصناعة والزراعة. والإهتمام بالفئات الفقيرة والتعليم مع إستغلال كل الفرص الاستثمارية الممكنة في قطاع التصنيع، وبناء مجمعات صناعية كبرى، وتقديم حوافز ضريبية للمستثمرين الأجانب، ووقف تيار الهجرة للمدن الكبرى كما حرصت تلك الدول في خططها الاقتصادية على تجنيب البلاد للديون، وبناء احتياطيات كبيرة من رأس المال والمدخرات، وهو ما ساعدها على الصمود في وجه الأزمات المالية، والتأثر سطحيًا بتداعياتها، والتعافي سريعًا بمجرد انتعاش الأسواق مجددًا.
وهذا ما فعلته ألمانيا واليابان في الستينات وكذلك دول دول شرق آسيا في الثمانينات وهذا ما بدأته الهند في التسعينات وتركيا والبرازيل في 2003 وهذا هو نهج وخط سير أثيوبيا ورواندا من 2015 إلى الآن. لا يتطلب الأمر ثروات طبيعية ضخمة أو موقعا جغرافيا مميزا بقدر ما يتطلب الإرادة واستنباط نموذج اقتصادي هو الأصلح لظروف بلد ما، من أجل التحول من الفقر إلى الرفاهية فلا يقاس تقدم الأمم واستقرارها بعدد الأغنياء ولكن يقاس بقلة عدد الفقراء، ذلك أن الفقر حاضن للكثير من أمراض المجتمع، فالفقير من أقل الناس قدرة على تربية أولاده تربية صحيحة متوازنة، كما أن بيئة الفقر تعد من أفضل البيئات الحاضنة لتجار المخدرات والتطرف والإرهاب..
الاعتماد على الصناعة
ففي التسعينيات كانت الهند مفلسة وأصبحت حاليا سادس أقوى اقتصاد في العالم رغم أن عدد سكانها يتجاوز المليار، ويتحدثون آلاف اللغات واللهجات، بعد أن حول مانموهان سينج المحنة إلى منحة، ويعرف بمهندس عملية الإصلاح الاقتصادي، وتخرج في جامعة أكسفورد وذو توجه لبيرالي رأسمالي.
لجأ مانموهان سينج في حكومته إلى 3 من رجال الاقتصاد المتميزين وهم ناراسيما راو وزيرا للمالية، ووزير التجارة المتمرس في هارفارد بالانبان تشيد امبارام، وأيضا مونتيك سنج اهلواليا الرئيس المفوض للجنة التخطيط القومي، إنهم 3 أسماء حررت الاقتصاد وقادت مسيرة الانفتاح على العالم، وجلب الاستثمارات الأجنبية، من خلال رفع العوائق التجارية وكسر الاحتكارات الحكومية، وخفض الضرائب، وقضى على البيروقراطية وشجع المنافسة.
أما كوريا الجنوبية، وهي مضرب المثل في التحول الاقتصادي، فقد حولت مجراها التاريخي من بلد زراعي مليء بالفلاحين إلى بلد صناعي متطور يعتمد اعتمادا تاما على الصادرات التقنية. وقد سبقت اليابان كوريا في هذه التجربة بتحولها إلى بلد يعتمد على الصناعات التقنية، وتلتهما من بعد ذلك الصين ولكن بنموذج اقتصادي مختلف.
ونيوزيلندا دولة متقدمة ومستقرة رغم أنها لا تملك ثروات طبيعية، لكن يعود السبب في ذلك إلى الاستقرار السياسي ووجود طبقة متوسطة كبيرة تشكل حوالي 90 % من السكان، وأكثر سكانها منتجون وبفضل تركيز دا سيلفا رئيس البرازيل الاسبق على 4 أمور هي الصناعة والتعدين والزراعة وطبعا التعليم. وصلت البرازيل إلى سادس أغنى دولة في العالم في آخر عام لحكمه بعدما أوشكت علي إعلان إفلاسها بعد انتهاء ولايتي حكم لولا في 2011.
ومن أسرع عمليات الإنتاج التي تحقق قفزات صناعة التكنولوجيا، وتحديدا البرمجيات المدمجة. لأنها لا تعتمد على أدوات مكلفة. ولدينا عدد غير هين من المهندسين المصريين القادرين على العمل في هذه الصناعة. ويمكنهم زيادة العائد القومي المصري لقدرتهم على العمل مع شركات أجنبية من خلال منصات العمل الحر في مصر. ومن المعلوم أن صناعة البرمجيات تمثل للولايات المتحدة حوالي 1 تريليون دولار من الناتج القومي السنوي.
وتستطيع مصر تحقيق ٥٠ مليار دولار كمرحلة أولى، بهدف أن نصل لمائة مليار دولار بحلول 2030 والنقطة الثانية هي ضرورة فتح أسواق أوسع امام منتجاتنا الوطنية، فعلي الرغم من دخول مصر في اتفاقيات سوق حرة مع عدة تجمعات اقتصادية، إلا أن الموازين التجارية مع معظمها بها عجز. لذلك يجب أولا النظر في كيفية رفع جودة منتجاتنا لتنافس في السوق الحرة القوية، وثانيا لابد من التعرف علي احتياجات الاسواق الشريكة لنا تجاريا وتنويع منتجاتنا لتلبي الطلب العالمي والإقليمي المتزايد. فنحن حتي اليوم لم نستفد بقدر مناسب من هذه الاتفاقيات. علما بأن أساس الأزمة الاقتصادية باختصار شديد هو ضعف الناتج القومي المصري بالنسبة لعدد السكان.
