العملات العالمية البديلة للدولار
كان متوقعا لجوء روسيا للتعامل بالروبل بدلا من الدولار ردا علي العقوبات الدولية ضدها، ومن المعلوم أن الاتحاد الأوروبي يشتري يوميا من روسيا النفط والغاز بقيمة 660 مليون دولار مما يعني عمليا أن يدفع الاتحاد الأوروبي كل يوم 660 مليون دولار مقابل النفط والغاز، ولهذا سوف يضطر الاتحاد الاوربي أن يطلب من البنك المركزي الروسي الروبل مقابل الدولار أو اليورو، وبالتالي روسيا سيرتفع لديها إحتياطي العملة الصعبة..
هذا الارتفاع في الطلب على الروبل سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الطلب على المبادلات التجارية بجميع أنواعها مع روسيا للحصول على عملة الروبل التي ستصبح في خانة العملة الصعبة.. وبالتالي ستكون عملة الروبل في حد ذاتها هي محدد جديد يؤثر في جزء كبير من الأسواق العالمية بدل الدولار واليورو وتلك أولي أهم دروس العقوبات الدولية ضد روسيا، هي البحث في تعدد العملة الدولية بحيث لا يصبح الدولار محتكرا للمعاملات الدولية، وما بين ظهور العملات المشفرة والمقايضة وتبادل التجارة بين الصين وروسيا بالروبل واليوان هناك محاولات دؤبة لفك الارتباط بين الدولار والتجارة العالمية.
ولهذا يجب الوقوف مع المملكة العربية السعودية إذا اتخذت قرار بيع النفط باليوان الصيني محل الدولار وهي خطوة جريئة وقوية وسوف تغير خريطة اقتصاد العالم والتخلص من الهيمنة الأمريكية، صحيح أن الثقة في عالم المال يحتاج إلى سنوات طوال لبنائها، وثوانٍ لتحطيمها، وزمن طويل في محاولة استعادتها ولكن هناك محاولات جادة لإصدار عملات عالمية جديدة..
وأحد أبرز أسباب ظهور بتكوين عام 2008 كان عدم الثقة بالنظام المالي التقليدي، ويعود الدافع الرئيسي لارتفاع قيمة عملة بتكوين من 5 آلاف دولار إلى 50 ألف دولار خلال العامين الماضيين إلى مخاوف التضخم والحرب والعجز غير المنضبط، ومقترحات فرض ضرائب على الثروة وتفاقم وباء كوفيد ١٩ وإحتمال تخلف الولايات المتحدة عن سداد الديون بمعدل أكبر من أي دولة أخرى.
عملة عالمية موحدة
معظم دول العالم فيما مضى إعتمدت على الذهب كمعيار لصرف العملات، إذ يتم ربط العملات الأجنبية بقيمة الذهب. إلا أن هذا النظام لم يعد مناسبًا للتجارة الدولية مع مرور الوقت، الأمر الذي دفع عددًا من الحكومات إلى التوصل في نهاية المطاف لعقد اتفاقية بريتون وودز Bretton Woods سنة 1944، والتي مهدت الطريق لأن يصبح الدولار الأمريكي معيارًا لتحديد قيمة عملة البلد. هكذا سُمح للدول التي كانت أطرافًا في الاتفاقية بدعم عملاتها بالدولار بدلًا من الذهب.
وتعد هيمنة الدولار أداة قوية لممارسة النفوذ العالمي، وتحقيق أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً في المؤسسات المالية متعددة الأطراف التي تشرف على النظام المالي العالمي، حيث مثلت هذه المؤسسات، ولا سيما صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي، قنوات لممارسة نفوذ الولايات المتحدة، من خلال النظام القائم على القواعد ضد المنافسين وفي مقدمتهم الصين..
ولهذا عمدت الصين لتدويل الرنمينبي كعنصر اساسي في استراتيجية الصين للخروج من سياسة الاختباء والمباشرة التي تهدف إلى إخفاء صعوده، علمًا بأن التدويل سيقلل من اعتماد الصين على الولايات المتحدة ويساعدها على تطوير أسواقها، ويؤسس لطرح شنغهاي كمركز مالي بديل. وفي هذا السياق، دفعت الحكومة الصينية الشركات الخاصة إلى إصدار الفواتير وتسوية الصفقات بعملتها الرنمينبي، وطلبت من الشركات الحكومية أن تحذو حذوها، وشجعت البنوك المركزية الأخرى على تبني الرنمينبي.
كما ستساعد مبادرة الحزام والطريق، والتي تسعى من خلالها إلى استخدام مؤسساتها لتمويل وبناء البنية التحتية فيما يصل إلى (68) دولة، على تدويل الرنمينبي من خلال إنشاء نظام تجاري يدور حول الشركات الصينية.
ويتطلّب إنشاء عملة عالمية موحّدة، تأسيس إتحاد نقدي عالمي بمقدوره حل الأزمات المرتبطة بالعملات وتجنّب المخاطر الاقتصادية. ليس هذا وحسب، إذ ستقع على عاتق هذه المنظّمة الدولية مسؤولية ضمان الالتزام بالقواعد، ومعالجة أيّ مشاكل قائمة أو ناشئة فيما يتعلّق بطريقة التعامل مع العملات وذلك بهدف تمكين التجارة العالمية وتقييم النظام الضريبي في الدول المختلفة وفي حال تمّ استخدام عملة عالمية، لن يكون هناك حاجة لتحويل العملات الأجنبية، الأمر الذي سيجعل من التداول عملية سهلة وقليلة التكلفة أيضًا.
إذ سيتم التخلص من تكاليف تداول العملات الأجنبية وكذلك من مخاطر تغيّر سير العملات المختلفة. والقضاء على التلاعب بالأسعار كما أن استخدام عملة عالمية سيقضي على التلاعب بالأسعار. إذ أن استخدام عملة واحدة في جميع أنحاء العالم، سيجعل من حيلة تخفيض قيمة العملة المصطنعة بلا أيّ جدوى، وبالتالي لن يتمكّن المصدّرون من التلاعب بأسعار سلعهم.
حيث يقصد بتخفيض العملة المصطنعة أن تقوم بعض الدول بخفض قيمة عملاتها عن قصد، لجعل أسعار سلعها تبدو أقل مقارنة بأسعار المصدّرين الآخرين مما يجعلها أكثر جاذبية للأسواق الأجنبية. ليس هذا وحسب، فالعملة العالمية ستقضي بلا شكّ على تجار العملات المضاربين الذي يفكّكون أسواق المال الدولية. إضافة إلي التخلّص من مشكلة التضخم الجامح الذي يحدث نتيجة زيادة عرض النقد في السوق مما يؤدي إلى انخفاض قيمتها الشرائية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة في الأسعار بمعدّل قد يصل إلى 50% شهريًا أو أكثر. حيث تصل أسعار السلع المختلفة إلى أرقام فلكية، وتصبح النقود بلا قيمة تقريبا.