ماكرون في الإليزيه للمرة الثانية.. حكاية أصغر رئيس شاب في تاريخ فرنسا
تمكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الفوز اليوم الأحد في الانتخابات الرئاسية الفرنسية ضد منافسته مارين لوبان، وبذلك يعد ماكرون أول رئيس فرنسي يحظى بولاية ثانية منذ 20 عامًا.
ودخل إيمانويل ماكرون تاريخ فرنسا في 14 مايو 2017 عندما تولى رسميًّا مهام رئيس البلاد بعد فوزه في الانتخابات أمام مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.
وكان يومها أصغر رئيس فرنسي سنًّا (39 عامًا) في تاريخ الجمهورية الخامسة. وبعد أن اكتسح معركة إعادة الانتخاب أمام المرشحة ذاتها، دعونا نعرف ملامح وشخصية هذا الرجل الطموح ومساره المهني والسياسي الذي قاده لقصر الإليزيه.
ماكرون.. رجل طموح مولع منذ صغره بالمسرح والأدب التاريخ والفلسفة، لكنه جعل من الاقتصاد إحدى مجالات اختصاصه المهني، ثم دخل عالم السياسة ليكلف مهامًا مختلفة حتى وصل إلى أعلى الهرم وانتخب رئيسًا للبلاد فأصبح أصغر رئيس جمهورية فرنسي سنًّا (39 عاما).
وكانت تلك نقطة وصول بارزة في مسيرة مميزة انطلقت خلال حقبة فرانسوا هولاند (2007-2012) التي تولى خلالها إيمانويل ماكرون منصب مساعد أمين عام الرئاسة، ثم أصبح في 2014 وفي عمر الـ 36، أصغر وزير للاقتصاد في تاريخ فرنسا.
في انتخابات 2017 الرئاسية، قدم ماكرون نفسه في ثوب "مرشح جديد" مقارنة بما سماه "العالم القديم" في إشارة إلى الممارسات المشبوهة والتي وصفها بأنها تعود لـ "حقبة الملوك" التي انهارت قواعدها في 1789 مع اندلاع الثورة الفرنسية وانتهت رسميا في 1948 مع لوي-فيليب.
"لغة الخشب"
وبالتالي لعب المستشار السابق في مصرف روتشيلد ورقة الشفافية والوسطية والاعتدال لكسب قلوب وأصوات مواطنيه، واستخدم في خطاباته كلمات يتداولها العام والخاص، متصرفا بكل عفوية على عكس السياسيين التقليديين الذين تعودوا على "لغة الخشب". استقطب حصص اليمين واليسار من الناخبين الغاضبين وفاز في الاقتراع بسهولة أمام زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان بحصوله على 66.1 من الأصوات.
بعد خمس سنوات في السلطة، تحول الشاب الطموح إلى رجل دولة، فنالت من أناقته وبشاشته الأزمات. فتزعزع عرشه مرارًا، إلا أنه صمد أمام عاصفة "السترات الصفراء" وقاوم انعكاسات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ثم تسلح بالشجاعة والثبات أمام تداعيات فيروس كورونا القاتل. وفيما أوشكت ولايته الرئاسية أن تنتهي، تفجرت الحرب الروسية على أوكرانيا، ليقود فرنسا وأوروبا بصفته رئيسا دوريا للاتحاد إلى مجابهة فلاديمير بوتين ووضعه أمام الأمر الواقع في عدة مناسبات رغم أن رئيس روسيا رفض الانصياع لأي شخص رشيد.
واستغل إيمانويل ماكرون الحرب في أوكرانيا لأغراض انتخابية إذ ترك الغموض يلف إعلان ترشحه لولاية ثانية لغاية 3 مارس 2022، أي قبل يوم واحد من غلق باب الترشيحات.
قصة غرام خيالية
ولد ماكرون في 21 ديسمبر 1977 في مدينة أميان (شمال فرنسا) من والدين متخصصان في الطب، ضمن عائلة ثرية تضم ثلاثة أطفال. وقضى طفولة سعيدة بين لعب البيانو وممارسة الرياضة والسفر للخارج.
وختم مساره التعليمي في سن الـ 16 بعلامة امتياز، إلا أن قصة غرام -مع أستاذة اللغة الفرنسية ومنشطة ورشة مسرح- بريجيت ترونيو زعزعت هذا النجاح المبهر فقرر والداه نقله إلى باريس لمتابعة دراسته في ثانوية "هنري الرابع" التي تقع في الدائرة الخامسة. والسبب وراء اعتراض الوالدين لقصة الحب التي كان يعيشها نجلهما هو أن المدرسة كانت تكبره 24 عامًا.
واصل الشاب إيمانويل مشواره بجامعة العلوم السياسية بباريس ثم حصل على شهادة عليا في الفلسفة السياسية من جامعة نانتير (ضاحية باريس الغربية) قبل أن ينضم في 2002 للمدرسة الوطنية للإدارة التي تخرجت منها دفعات من قادة فرنسا الحديثة.
لعبت برجيت ترونيو -التي تزوجها ماكرون لاحقًا - دورًا أساسيًّا في سطوع نجمه، فعززت ثقته في النفس التي مكنته من مواجهة تحديات عالم السياسة. فبعد تخرجه من المدرسة العليا للإدارة في 2004، توظف في المفتشية العامة للمالية مدة ثلاث سنوات. وعمل بعد ذلك مستشارا في لجنة كانت مهمتها إيجاد سياسة مالية لدعم الاقتصاد الفرنسي.
مصرف روتشيلد والإليزيه
في 2007، التحق ماكرون بمصرف "روتشيلد" ليكتشف أسرار البنوك والمالية.
وفي مايو 2012، انضم إلى فريق الرئيس الفرنسي الجديد آنذاك فرانسوا هولاند ليصبح مساعد أمين عام الإليزيه ثم وزيرا للاقتصاد خلفا لأرنو مونتبور. وقال عنه وزير الداخلية آنذاك مانويل فالس: "لديه سحر في نظرته وهو يعانق الجميع". لكن الرجل الطموح بدأ حملة خفية قادته فيما بعد إلى سدة الحكم.