رئيس التحرير
عصام كامل

مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال (21)

ما ذكرناه في المقال السابق، عن مسجد ومقام الإمام الشعراني، وولده، وشيخه نور الدين الشوني، يتكرر بصورة أسوأ في حالة مسجد ومقام الإمام محمد الماوردي بحي السيدة زينب. وأعتقد أنه ما من أحد ذهب للصلاة في مسجد السيدة زينب، وزيارة مقام عقيلة بني هاشم الغالي، إلا وشاهد مسجد الماوردي، دون أن يهتم به غالبًا، فالمسجد في حالة شديدة من الإهمال والتجاهل من قبل الجهات المختصة، ومسئولي المحليات والأوقاف.

 

وجاء مشروع مترو الأنفاق، الذي تجاور محطته العلوية المسجد والضريح، ليزيد الطين بلة، فالإنشاءات والتوسعات والتطورات تجري على قدم وساق، بدون أية مراعاة للوضع المتهالك والمشرف على الانهيار للمسجد التاريخي. 

لا أدري هل المسجد والضريح يتبعان وزارة الأوقاف، أم وزارة الآثار، وفي حالة تبعيته للآثار سيكون محظورًا، حتى على الجهود الذاتية، أن يتدخل أحد من أجل عملية الإنقاذ. 

سقف المسجد يبدو متهالكًا إلى حد كبير، ومهددًا بالسقوط، بما يضمه من نقوش جميلة، ورسومات بديعة.

حياة الإمام الماوردي

 

وإليكم لمحة من حياة هذا الإمام الجهبذ.. فالإمام محمد الماوردي، هو الجد الأكبر لأبناء عائلة الماوردي، المعروفة في سوريا ومصر، ويقال إنه كان في الجزيرة العربية، قبل أن ينزل إلى مصر، ويكون له المسجد الخاص به، حيث درس لطلابه ومحبيه العلوم الدينية، وبعد موته أصبح المسجد باسمه، وله ضريح.

 

هو علي بن محمد بن حبيب الماوردي، ولد بالبصرة سنة 364هـ / 974م. تفقه الماوردي بمدينة البصرة، ثم ارتحل إلى بغداد، مركز العلم والمعرفة في عصره. وسمع الحديث من شيوخ عصره، كما درس الماوردي اللغة والأدب.

 

وكان الماوردي فقيهًا شافعيًّا مجتهدًا، ينهج نهجًا علميًا في أبحاثه إذ يعرض لوجهات النظر المتعارضة والمختلفة في المسألة الواحدة، ويرجح بينها، وينتهي لرأي يرى فيه وجه الحق والصواب، حتى انتهت إليه زعامة الشافعية في عصره.

 

وانفرد في تفسيره للقرآن الكريم ببعض الاتجاهات التي تدل على أصالته وعمق تفكيره، خاصة في الآيات المتعلقة بمبادئ الحكم والسياسة.

 وتتميز كتاباته بأسلوب واضح بليغ ينتقي ألفاظه ومعانيه، ويؤلف بينها كأنها شعر منثور. وكان أخلاقيًا في سيرته ومعاملاته بين الناس.

 

مؤلفات الماوردي

 

من أشهر مؤلفات الإمام الماوردي رحمه الله: مختصر علوم القرآن.. أمثال القرآن.. النكت والعيون: وهو التفسير الكبير له، ضمنه أقوال الصحابة والتابعين والمفسرين من قبله، وعرض لما يرجحه منها وأدلى ببعض آرائه في بعض الأحيان.. الحاوي: وهو الشرح الكبير لمختصر المزني، لم يطلع عليه أحد إلا شهد له بالتبحر في الفقه، لم ير النور منه إلا الجزء الخاص بأدب القاضي بتحقيق الفاضل محيي هلال سرحان، في أربعة أجزاء، الثالث والرابع في "الشهادات"، وهناك عدة رسالات للماجستير والدكتوراه في جامعة الأزهر وغيرها في أجزاء منه، منها: كتاب الزكاة، وكتاب البيوع، وكتاب الحدود.. كان إمامًا في الفقه والأصول والتفسير.

 

وكان الماوردي محل تقدير جل العلماء لهذه الصفات، فيقول عنه مؤرخ الإسلام الذهبي: "كان -الماوردي- إمامًا في الفقه والأصول والتفسير بصيرًا بالعربية".
 

قالوا عن الماوردي

 

 ويقول عنه الشيرازي: "له مصنفات كثيرة في الفقه والتفسير وأصول الفقه والآداب، وكان حافظًا للمذهب". ووصفه الخطيب البغدادي (تلميذه)، فقال: "كان ثقة من وجوه الفقهاء الشافعيين".

 وقال السبكي عن الماوردي: "كان إمامًا جليلًا رفيع الشأن له اليد الباسطة في المذهب والتفنن التام في سائر العلوم".

 وقال ابن الأثير: "كان الماوردي حليما وقورًا أديبًا". 

وذكره ابن تغري بردي فقال: "الإمام الفاضل.. صاحب التصانيف الحسان.. وكان محترمًا عند الخلفاء والملوك".

 ومن الدراسات الحديثة عن الماوردي، قال الدكتور عمر فروخ فيه: "كان الماوردي مصنفًا قديرًا بارعًا تدل كتبه على مقدرة في التفكير وبراعة في التعبير".

 

 

وقال محمد كرد علي: "الماوردي من أعظم الكتاب، معتدل في تأليفه، هادئ في أفكاره، أوحد في فنه وفهمه، محمود الطريقة، مطمئن النفس، حريص على الاستفادة، بعيد عن الدعوى والهوى، ولم يقتصر الماوردي على الأخذ عن الشيوخ، وتصفح ما خلفه من تقدموه بل قرن إلى علمه تجارب تنبئ عن نفسها، ومعارف منوعة لقفها من الحياة وما عاناه من مشاكل العالم". 

توفِّي الإمام الماوردي في شهر ربيع الأول من سنة 450هـ، وكان قد بلغ 86 سنة. 

الجريدة الرسمية