مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال (19)
بين الآثار، والأوقاف ضاعت الكثير من المشاهد والأضرحة، والمقامات العظيمة، التي كانت يومًا ما محط الأنظار وقبلة الزائرين، ورموزًا لمصر المحبة والمتسامحة التي احتضنت كل المذاهب وكافة الأديان، ولم تعرف أبدًا، العنف وكراهية الآخر.
أحد المراقد، وهو لعالم كبير، من أهم علماء التصوف الإسلامي،هو الفخر الفارسي، وهو فارسي الأصل، لكنه أحب مصر فعاش فيها، وتعلم وعلم، وبنى مسجدًا، استجابة لرؤيا نبوية، واستمر حتى توفي ودفن بالمسجد، لكن هذا الأثر الجميل، الذي سجلته وثائق هيئة الآثار، دُمِّر، ولم يتبق منه سوى عمود سجلت عليه معلومات تدل على صاحب المكان.. ومما دُوِّن على العمود الرخامي: “ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. هذا قبر الصدر الإمام الحبر الهمام شيخ مشايخ الإسلام سيد فضلا الأنام الوحد سند المحبير قدوة المحققين والعارفين قطب وقته”.
موقع المسجد والضريح
مسجد الفخر الفارسي، به ضريح العالم الجليل ويقع في شارع عقبة بن عامر، وقبل الوصول إلى تربة ابن حجر العسقلاني، بقرافة المقطم. وهذا نموذج سافر للإهمال، والتراخي في إنقاذ أثارنا الإسلامية الرائعة.
وإليكم لمحة من سيرة العالم الجليل الفخر الفارسي.. هو محمد بن إبراهيم بن أحمد، أبو عبد الله، فخر الدين الشيرازي الفارسيّ، يلقب بـ "الفَخْر الفارِسي"، ولد عام 528 هـ، 1134 م.. وتوفي 622 هـ، 1225 م.
فيلسوف صوفي
متفلسف، كثير الدعابة، له شعر فيه صنعه ورقّة. صنف كتبًا في الأصول والكلام، بعضها على طريقة فلاسفة الصوفية. شيرازي الأصل سكن مصر، وتوفي بها. من كتبه " الأسرار وسر الإسكار"، حاول فيه الجمع بين الحقيقة والشريعة. و"تذكرة مناهج السالكين" و"مطية النقل وعطية العقل" في علم الكلام، و"الفرق بين الصوفي والفقير"، و"نتائج القربة ونفائس الغربة".
سبب بناء المسجد
وقيل عن "تربة الشيخ الامام العالم المحدث الصوفى المحقق فخر الدين الفارسى، وسبب بناء المسجد": كان السبب فى بناء هذا المسجد أن الشيخ فخر الدين الفارسى رأى فى المنام كأنه واقف على قبر الشيخ أبى الخير التينانى، وهو ينظر إلى الصحراء فإذا هى مملوءة رجالًا، وعليهم ثياب بيض، وفيهم النبى صلى الله عليه وسلم فقبل يده، فقال له: لم لا تبني هذا المسجد؟ فقال يا رسول الله ما بيدى شىء، (أي أنه لا يملك مالًا)..
فقال: قل للمسلمين يبنونه ثم مشى إلى أن أتى إلى قبر ذي النون المصري، فوقف على شفير القبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليك ياذا النون، وإذا بالقبر شق، وقام منه رجل، فقال: وعليك السلام يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، ثم عدنا إلى قبر الشيخ ابتيتانى، فقال: يا فخر؛ ابن هذا مسجدًا، فإنه من توضأ ثم صلى فيه ركعتين يقرأ فى الأولى فاتحة الكتاب، وسورة تبارك، وفى الثانية فاتحة الكتاب، وهل أتى على الإنسان، ثم يسلم ثم يخرج من المسجد، ووجهه إلى القبر إلى أن يأتى إلى قبر الشيخ أبى الخير اتينانى، ويسأل الله حاجته إلا أعطاه الله إياها".
فانتبه، فتذكر الإمام، فتكلم به عند جماعة، فسمعه رجل من الحاضرين، وكان يملك دارًا فباعها، وبنى بثمنها هذا المسجد، وهذه التربة معروفة بإجابة الدعاء. يعد في طبقات المحدثين والصوفية والعباد له مناقب مشهورة صحب جماعة من القوم منهم نور بهار الكازرونى الفارسي.
وروى أحاديث كثيرة.