مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال (20)
الإمام عبد الوهاب الشعراني، يقع مسجده الذي يحتضن ضريحه، وضريح ابنه، وشيخه نور الدين الشوني، بميدان باب الشعرية، وقد سمي على اسم الإمام الكبير، الذي ينتهي نسبه إلى محمد بن الحنفية، بن الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين.
المسجد يمتاز بنقوشه البديعة، ورسوماته الرائعة على الجدران والأسقف؛ مما يبهر الزائرين والمصلين والمحبين.. إلا أن البيئة المحيطة، وانتشار العشوائيات، والباعة الجائلين والمستقرين حول المسجد يهدده بالتصدع، لاسيما مع حالة الإهمال والتجاهل التي تتعامل بها الأجهزة المختصة مع هذه المنارات الإسلامية التي لا مثيل لها في كل الدنيا.
ضريح الشعراني
ولعل الشقوق وتآكل سقف الساحة الرئيسية للمسجد، يؤكد ما نحذر منه، ويبدو أن محاولات بمجهودات ذاتية تجري لإنقاذ ما يمكن إدراكه قبل تفاقم الكارثة، فهناك بضع سقالات تم تثبيتها للحيلولة دون اتساع رقعة التصدعات والتشققات وتفادي سقوط أجزاء كبيرة من النقوش والرسومات بالسقف.
الأمر يتطلب تدخل وزارة الأوقاف، إن لم يكن المسجد والمقامان مسجلين لدى وزارة الآثار.. تدخلًا عاجلًا حتى لا نجلس بعدها لنبكي على اللبن المسكوب وننعي حظنا البائس، مثلما نفعل الآن إزاء الكثير من المزارات والمقامات في ربوع مصر. وفي عجالة، سنقدم لمحة موجزة عن حياة الشعراني، وشيخه الشوني.
مولد الإمام الشعراني
في منطقة الجمالية بشارع الشعراني يقع مسجده الذي شيد على أنقاض المدرسة القادرية عام 1325م، وأبقى المسجد على القبة بالإضافة لقبة المسجد نفسه، ومن الداخل يقع المقام، وسمي حي باب الشعرية على اسمه.
ولد الإمام العابد والصوفي الزاهد عبد الوهاب بن أحمد بن علي، في 17 من شهر رمضان 898هـ في بلدة قلقشندة بمصر، ونشأ بساقية أبى شعرة من قرى المنوفية واليها نسبته "الشعراني"
حفظ القرآن طفلا.. ثم جاء إلى القاهرة وهو ابن سبعة عشر عامًا، حفظ متون الكتب الشرعية وآلاتها على علماء الأزهر، ثم انتقل إلى مدرسة أم خوند، وفي تلك المدرسة بزغ نجم الشعراني وتألق تألقًا ملأ الدنيا.
مؤلفات الشعراني
عاش الشعراني 75 عامًا خلف فيها 300 كتاب في موضوعات شتى، منها: "الفتح المبين في جملة من أسرار الدين"، و"الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية"، و"الكوكب الشاهق في الفرق بين المريد الصادق وغير الصادق".
ستون عامًا قضاها الشعراني في العلم، وبين المؤلفات الكثيرة له التي تحمل طابعًا صوفيًّا مثل "الطبقات الكبرى"، وكتاب "الميزان الكبرى"، والكتاب الأخير هو محاولته الاستثنائية في التوفيق بين المذاهب السنيه والتشابهات الكبيرة بينهم، ومن المؤلفات كتاب "الدرر المنثورة في بيان العلوم المشهورة"، ويعتبر الكتاب موسوعة في الفقه وأصوله واللغة والبلاغة وباقي العلوم الإسلامية.
وفاة الإمام
وكانت له صلة عميقة بالشيخ علي الخواص الذي سمي بذلك نسبًا لمهنته، وفي إحدى الكتب وردت واقعة بينهما؛ إذ أن الشيخ الشعراني كان يؤم الناس بصلاة الجمعة، ومن خلفه في الصفوف وقف الشيخ الخواص، وإذا بالشيخ الشعراني يبدأ بقراءة القرآن، فينسى كل ما حفظه في لحظة بسبب وقيعة كانت بينه وبين الشيخ الخواص، فتذكر بصعوبة الشيخ الشعراني الفاتحة ليقرأ للناس، وبعد السلام خلع عمة الأزهر من على رأسه، وقبل أقدام الشيخ الخواص ليجلس معه ويطلب من علمه.
توفى الشعراني عام 973 في ليلة الجمعة، وهو يصلي رغم إصابته بمرض "الفالج" الذي بقي مريضًا به لمدة شهر ودفن بجوار الزاوية التي يعطي العلم فيها.
أما الإمام نور الدين الشوني فهو شيخ الإمام عبد الوهاب الشعراني. قال الشعرانى عنه فى طبقاته: "شيخى ووالدى وقدوتى الشيخ نور الدين الشونى رضى الله عنه، وهو أطول أشياخى خدمة، خدمته خمسا وثلاثين سنة لم يتغير عليَّ يومًا واحدًا، ولما دخلت فى مصر سنة إحدى عشر وتسعمائة، لقينى الشيخ شهاب الدين الطويل المجدوب، رضى الله عنه فقال لى أنت ابن الشوني".
وأنشأ، رضى الله عنه، فى الجامع الأزهر مجلس الصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم، في عام 897 هـ، وكان كثير الرؤيا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.