عندما يموت الضمير!
ما أحوج أمتنا إلى مراقبة الله تعالى وإيقاظ ضمائر أبنائها.. ليعود المسلم إلى حياته عاملًا فاعلًا مثمرًا وتعود للأمة مكانتها وتملك زمام مستقبلها.. فلا يصح وهي خير أمة أخرجت للناس أن تعج بما نراه في واقعها من خيانة للعهود والعقود وضياع للحقوق وازدياد في العقوق وهتك للحرمات وانتشار للفساد وخراب الذمم والموبقات وانحراف عن منهج الله تعالى.. وما نحسب ذلك إلا نتاجًا لموت الضمير واتباع الهوى والشيطان مصداقًا لقوله تعالى: "وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ" (البقرة:14).
موت الضمير
إذا مات الضمير فلا خير في صاحبه وساعتها يمكن له أن يفعل أي شيء وكل شيء، ويمسي الفساد والإفساد أمرًا متوقعًا، وعلاج ذلك كله يكمن في أن نوقظ ضمائرنا ونراقب الله في السر والعلن؛ ذلك أن الضمير يولد مع صاحبه بالفطرة ثم ينمو في داخله أو يضعف ويتوارى؛ وهو متجذر في كل إنسان، فقيرًا كان أو غنيًا، مسئولًا كان أو موظفًا عاديًا؛ فإنسانية المرء وضميره صفتان متأصلتان فيه فإذا ما أصاب الخلل إحداهما أو كلتيهما فالعاقبة وخيمة على الفرد والمجتمع وربما البشرية كلها، وهما كذلك من الأشياء المجردة التي لا ترى بالعين المجردة لكن نلمسها من خلال المعاملة وإعطاء الحقوق ونشر العدالة..
وما نراه من جرائم وسرقات وتفنن في القتل وتدين شكلي مزيف وزرع للفتن واحتكار للسلع وحرمان الفقراء من الحق المعلوم في زكاة الأغنياء وتواكل وكسل وتبذير وإسراف وبث للشائعات واتهام الآخرين بتهم باطلة بلا دليل وسوء الظن وانتهاك الخصوصيات.. وغيرها من الأمراض الاجتماعية التي أساسها موت الضمير الذي يخرج صاحبه من حدود الإنسانية وحتى الحيوانية "أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا" (الفرقان:44).
وكما تنعدم الضمائر في آحاد الناس تنعدم أيضًا في الدول؛ وإلا فماذا نسمي معاناة دول بفقرها رغم غناها بالموارد ورغد دول بالعيش رغم شح مواردها.. فمن المسئول عن هذا وذاك؟!
الضمير صوت شجاع يقف بكل عنفوان أمام الظلم وفي وجه القوة مهما تكن ضراوتها هو صرخة ضد كل مخالفة للقيم والمبادئ المثلي.. ولا عجب إذا مات الضمير أن تطفح النفس البشرية بكم هائل من الحقد والحسد والكرْه والنفاق وقطع الأرحام والتجرؤ على المحارم وانتهاك الحرمات والشماتة في الموت والمرض.. إذا مات الضمير فستجد بشرًا ميتًا لا تأخذ منه حقًا ولا باطلًا.. فكم من سجين حكم عليه بشهادة زور.. وكم من فقير مات في هذا العالم بسبب الجوع والصراعات والحروب!