شريف باشا.. صاحب أول دستور مصري ورأس حربة البلاد في مواجهة الاحتلال
في مثل اليوم من عام 1887، توفى محمد شريف باشا، السياسي المصري البارز، الذي شغل كل المناصب القيادية في البلاد، وتولى رئاسة الوزراء أربعة مرات، والوحيد الذي عينه الخديوي إسماعيل نائبا له من خارج الأسرة المالكة، ويعتبر أيضا مؤسس النظام الدستوري البلاد وصاحب أول دستور عصري لمصر، وصاحب أحد أشهر شوارع القاهرة الخديوية بوسط البلد.
النشأة والتعليم
ولد شريف باشا عام 1826 بإسطنبول، وهناك روايات تؤكد أنه ولد في القاهرة، ووالده هو أحمد شريف باشا تركي الأصل، الذي أصبح شيخًا للإسلام بالآستانة في عهد السلطان محمود، وقد عمل قاضي قضاة في مصر إبان حكم محمد علي، وبعد انتهاء عمله عاد بأسرته إلى إسطنبول، ثم عُين قاضيًا للحجاز، لكن محمد علي أعجب بنجله، وأقنعه بتركه تحت رعايته.
التحق شريف باشا بالمدرسة الابتدائية الخاصة بالأمراء ــ مدرسة الخانكة ــ وهي المدرسة الحربية التي أنشئت عام 1826 بأمر من محمد علي وكان من تلاميذها بعض أنجاله، وأحفاده، ولذلك توطدت علاقته بهم.
حياته السياسية
أرسله محمد علي في مهمات إلى الآستانة وإلى أوروبا، وكان ممثلًا لمصر بصفة غير رسمية في مؤتمر لندن عام 1840 لبحث مصير القاهرة وعلاقتها بالدولة العثمانية، كما اختير شريف باشا لمرافقة أمراء العائلة المالكة بالبعثة الدراسية إلى باريس عام 1844، وكان من أفراد هذه البعثة من أنجال محمد علي الأميران حسين وعبد الحليم، ومن أحفاده إسماعيل ــ الخديوي مستقبلًا ــ وأحمد رفعت، وعلي مبارك وغيرهم.
بعد أن مكث فترة قصيرة بمدرسة باريس، انتقل إلى سانت سير saint cyr ــ مدرسة أركان الحرب الفرنسية ــ ثم انتقل للتدريب بمدرسة تطبيق العلوم الحربية، حيث قضى عامين فيها والتحق بالجيش الفرنسي أثناء التدريب بمقتضى اللوائح العسكرية، وحصل على رتبة النقيب بإحدى الفرق الفرنسية.
بعد خمس سنوات قضاها في فرنسا أمر عباس الأول بعودة البعثة من فرنسا، فعاد شريف إلى مصر عام 1849، ليعين ياورانًا لسليمان باشا الفرنساوي، ومكث معه ثلاث سنوات.
لم يلق شريف باشا اهتمامًا في عهد عباس فترك العسكرية وسافر للآستانة في نهاية عام 1852 للحصول على ميراث والده، وعقب عودته عمل سكرتيرًا لدائرة الأمير عبد الحليم عام 1853، وبقى فيها لمدة عام، لكن سعيد باشا أعاده للخدمة العسكرية ورقاه إلى رتبة أميرالاي (عميد)، وأوكل إليه إحدى وحدات المشاة.
تزوج من ابنة قائده سليمان باشا الفرنساوي عام 1856، وترك العمل في سلك الجيش، ثم عُين عام 1857 بالمعية السنية، لكنه أعيد للعسكرية بعد أن رُقي لرتبة اللواء، ثم عُين ناظرًا للأمور الإفرنجية ــ الخارجية ـ عام 1858، ثم رئيسًا لمجلس الأحكام يونيو 1861، وكان يشرف على كل القوانين التي صدرت عن الحكومة منذ عهد محمد علي، وتولى مسئولية صياغة التشريعات التي تنظم إقامة مجالس جديدة في دمياط وإسنا وضبطية مصر ـ الشرطة ـ ثم عُين ناظرًا لديوان المدارس في 26 يوليو 1863.
عاد مرة آخرى ناظرًا للأمور الإفرنجية ـ الخارجيةـ ولكن برتبة فريق في أغسطس 1863، نظرًا لزمالته للخديوي إسماعيل في الدراسة، ثم ناظرًا للداخلية في يونيه 1865.
أسندت إليه أيضا رئاسة المجلس الخصوصي ــ مجلس الوزراء ـ ثم عينه الخديوي إسماعليل نائبا له في يونيو 1865أثناء وجوده بالآستانة، وهو منصب لم يسبق لأحد أن ناله من غير الأسرة المالكة.
عُين مرة آخرى ناظراُ للأشغال العمومية والداخلية في نوفمبر 1866، وعلى يد شريف قام النظام الدستوري في مصر أثناء توليه نظارة الداخلية أنشئ مجلس شوري النواب
صدامه مع الانجليز والفرنسيين
في 18 مايو 1873 كان نائبًا عن مصر في الاتفاقية التي عقدت بينها وبين إنجلترا لتسهيل مراسلات البريد بين البلدين، وكان يتولى في هذا الوقت نظارتي الحقانية ـ العدل ـ والخارجية، كما تولى منصب ناظر ديواني الأحكام والتجارة في نوفمبر 1874، ثم أصبح ناظرًا للداخلية سبتمبر 1875، ثم رئيسًا لمجلس الأحكام يونيه 1876.
في 4 أغسطس 1877 كان ناظرًا للخارجية ووقع عن الحكومة المصرية معاهدة إبطال تجارة الرقيق، وكان بطل الخلاف بين مصر ولجنة التحقيق الأوروبية بشأن تسوية الدين العام وهو وزير للحقانية والخارجية عام 1878، إذ رفض استدعاء اللجنة الأوروبية لسماع أقواله وآثر الاستقالة من منصبه حفاظًا على كرامته وكرامة المنصب.
تشكيله الوزارات
تبوأ منصب رئيس النظار ووزير الداخلية والخارجية في الوزارة التي قام بتشكيلها وعرفت بنظارة شريف الأولى (7 إبريل 1879 -5 يوليو 1879) وأقصى فيها الوزيرين الأوروبيين اللذين كانا يتوليان المالية والأشغال في عهد نوبار ومحمد توفيق.
في عهد توليه الوزارة عام 1879 أكملت سلطة مجلس النواب بتقرير مبدأ المسئولية الوزارية أمامه، حيث قدم دستور 1879، وهو أول دستور وضع في مصر على أحدث المبادئ.
شكّل وزارته الثانية (5 يوليو 1879 - 18 أغسطس 1879) وتولى منصب وزير الداخلية والخارجية فيها، ولم يكن الخديوي توفيق يميل إلى مبادئ شريف الدستورية، فقدم شريف استقالته.
تولى رئاسة مجلس النظار للمرة الثالثة (14 سبتمبر 1881 - 4 فبراير 1882) واحتفظ فيها بمنصب ناظر الداخلية، وخلال وزارته أنشئ مجلس النواب وافتتحه الخديوي في 26 ديسمبر 1881.
تولى منصب رئيس مجلس النظارة للمرة الرابعة ووزير الخارجية في (21 أغسطس 1882 - 10 يناير 1884)، وكان يأمل في إقرار النظام الدستوري، وينتهي الاحتلال البريطاني كما يقول الانجليز بمجرد توطيد سلطة الخديوي، ولكن نوايا إنجلترا الاستعمارية ظهرت واضحة في العمل على فصل السودان عن مصر إبان الثورة المهدية بالسودان.
عارض شريف السياسة البريطانية، ولما رأى أن الخديوي يميل إلى إجابة مطالبهم قدم استقالة وزارته يناير 188 وابتعد عن السياسة وتوفى بالنمسا في مثل هذا اليوم من عام 1887وشُيّع من قبل الألوف من محبيه في كل من القاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن المصرية.