الدراما تؤرخ للماضي القريب
لا يختلف أحد على أن إحدى أهم أدوات صناعة الوعي هى الدراما، سواء كانت فى السينما أو التليفزيون، حيث تلعب دورًا بالغ الأهمية في رصد مراحل تاريخية مهمة في وجدان كل أمة، وتظل باقية طوال الدهر في ذاكرة هذه الأمم كمرجع مهم وملهم لتشكيل فكر ووعي شباب وشعوب هذه الأمم..
وهناك شبه اتفاق بين أساتذة التاريخ، على أنه لا يمكن التأريخ للأحداث الكبرى، ومنها ثورات الشعوب، إلا بعد انقضاء سنوات ليست بالقليلة، لسبب وجيه يتعلق بغياب كل المؤثرين من المشهد، وبعد أن يكونوا مجرد أشخاص فى ذمة التاريخ، ويخضعون لحكمه، ويكون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، بدون تأثير أدبى أو معنوى، وتخضع وقتها الأحداث للتحليل وتمحيص العلماء والمفكرين، بتجرد كامل.
توثيق البطولات
ولكن هذه القاعدة لها استثناءات فإحدى أكبر مآسى الدولة المصرية الحديثة أنها لم تكتب تاريخها كما جرى فرغم مرور قرابة السبعين عاما إلا أننا نجد أنفسنا أمام أكثر من قراءة لأحداث ثورة 23 يوليو، وأكثر من تقييم لما فعله جمال عبدالناصر، فالبعض يخلع عنها أصلا صفة الثورة، والبعض الآخر يصفها بالحركة، أو الانقلاب، والبعض يعتبر جمال عبدالناصر ملهمًا وكاريزما لن تتكرر، والبعض الآخر يهبط به إلى أسفل سافلين، ويحمله كارثة 1967 وتبعاتها، ويحمله أيضا بداية التراجع الاقتصادى للدولة المصرية.
وكان المخرج في التأريخ لانتشال الدولة المصرية من السقوط في الدراما بسلسلة الاختيار، وقد عملت الدراما المصرية عبر عقود سابقة على توثيق بطولات تاريخية لأبناء هذا الوطن، كما قامت بإحياء سير أبطال كان لهم نصيب أن يذكرهم التاريخ، فكلنا يتذكر كيف استقبل المصريون مسلسلات تليفزيونية رائعة مثل رأفت الهجان ودموع فى عيون وقحة والثعلب والأعمال، مثل ناصر ٥٦ عن معركة تأميم قناة السويس، والعمر لحظة، والرصاصة لا تزال فى جيبى، وأغنية على الممرعن بطولات الجيش المصرى وعبوره من الهزيمة إلى النصر فى أكتوبر ٧٣، والصعود إلى الهاوية ودموع في عيون وقحة عن بطولات حقيقية لرجال الظل من أبطال المخابرات المصرية، تلك الصقور التى تلتقط بمخالبها كل الأفاعى السامة.
واستكمالًا لهذا الدور المهم للدراما المصرية، تابع جموع المصريين مسلسل الاختيار بأجزائه الثلاثة الذى رصد فترة مهمة من تضحيات رجال الجيش والشرطة المصريين وتوثق سلسلة الاختيار ١و٢و٣ بطولات رجال القوات المسلحة والشرطة المصرية منذ عام 2013، وحتى عام 2020، توثيقًا دقيقًا لما عاشته مصر عقب ثورة 30 يونيه 2013 وتكشف الكثير من الحقائق عن المؤامرة التى حيكت ضد الوطن، من خطط؟ ومن نفذ؟ ومن أنفق ومن الذى أراد إحراق الوطن ولكن الله سلم..
ويكشف المسلسل بالأرقام والبيانات الحقيقية كواليس وأسرار حوادث إرهابية بعينها شغلت الرأى العام فى حينها، كيف وقعت؟ ويوثق لحالة التزييف والخداع التى عاشها المغيبون من شباب جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيمات العنف المسلحة، وكيف تم استغلالهم والسيطرة عليهم نفسيًّا وذهنيًا من قبل قيادات التنظيم الإرهابى تحت شعار السمع والطاعة، وكيف تم جرهم للعمل المسلح، تحت إسم الجهاد والدفاع عن الدين والدين منهم براء، وكيف كانوا يوظفون كلام الله عز وجل والأحاديث النبوية الشريفة لخدمة الأهداف السياسية التى تصب فى نهاية الأمر لتحقيق مصالح جهات وعناصر خارجية تعمل ضد الدولة المصرية.
الاختيار ليس مجرد مسلسل نراه بأعيننا، بل يجب أن نراه بعقولنا وقلوبنا لندرك تلك المخاطر التى كانت تحيط بهذا الوطن، وأنه لولا أن من الله علينا بجيش وقائد كان قرارهم واختيارهم هو مصر وشعبها لكنا ذهبنا لا قدر الله بلا عودة.