ثقوب في مشروع قانون الأحوال الشخصية!
أخطاء كثيرة يقع فيها الإعلام خاصة الالكترونى منها بالخلط بين مصطلح مشروع قانون ومصطلح قانون، فالأول مازال تحت الدراسة والمناقشات وقد يصبح قانونا بعد موافقة البرلمان وتصديق رئيس الجمهورية عليه وقد يتم رفضه فيكون هو والعدم سواء، أما مصطلح قانون فهو يعنى أنه قانون ينفذ على أرض الواقع.
وفى الأيام الأخيرة أصبح متداولا في كل الأخبار مصطلح قانون الأحوال الشخصية الجديد، رغم أنه مشروع قانون قد يصدر أو لا يصدر مما أوحى للكثيرين أن قانون صدر وينفذ! المهم اتوقف عند بعض الملاحظات مما نشر عن بعض مواده وأرى أنه يجب النقاش حولها بعناية.. فقد فوجئت مثلا بالنص في المادة الثالثة من مشروع القانون والتى تقول: تصدر الأحكام طبقًا لقوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها، وكذلك الاتفاقيات الدولية السارية، ويعمل في ما لم يرد في شأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من المذاهب الفقهية الأربعة والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف.
ملاحظات على القانون
وأتوقف عند عدة نقاط: الأولى أن الأحكام تصدر طبقا للاتفاقيات الدولية السارة.. نعم قد ينفع هذا النص في القوانين الجنائية والمدنية مثلا ولكن لا يمكن ذلك في قوانين الأحوال الشخصية عندنا التي تعتمد وترتكزعلى مبادئ الشريعة الاسلامية وهو ما لاتلتزم به الاتفاقيات الدولية التي تعتمد على القانون المدنى لآن الزواج هناك عبارة عن عقد مدنى وقد يتفق أو لا يتفق مع مبادئ الشريعة الاسلامية أو غيرها.
ويتجلى ذلك في العديد من الاختلافات الجوهرية أو المادية أو الشكلية مثل الزواج الثانى أو تعدد الزوجات أو حقوق المرأة عندنا من مهر ومؤخر صداق مثلا من حقوق قد تتباين أو تتفق أو تزيد أو تنقص، ولا يعقل أن يكون الهدف مثلا هو إضافة حقوق للمرأة بغض النظر عن اتفاقها أو عدم اتفاقها مع الشريعة التي تطبق في حق ما ولا تطبق في حق آخر بلغة فقهاء القانون في هذا المشروع..
يعنى لن تكون هناك فلسفة واضحة ومحددة لمشروع القانون إذا صدر، ولكن قص ولصق من هنا وهناك رغم أن الإسلام كشريعة سماوية راعت ما لم تهتم به بعض القوانين الغربية.. وإذا كان الغرب موفقا ونريد استيراد بعض مواده في هذا المجال مثل اقتسام المطلقة لثروة مطلقها بالنصف وغيرها من مواد يكون السؤال واجبا وهل المجتمع الغربى تقدم في مجال الأسرة كثيرا بهذه النصوص حتى نقتدى به أم يعانى أيضا من مشاكل كثيرة؟!
ثانيا، هذه النقطة تتعارض مع الدستورالمصرى الذى يؤكد في مادته الثانيه أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. والنقطه الثالثة، جملة أنه يؤخد بأرجح الأقوال من المذاهب الفقهية الأربعة والاجتهاد، في حين أن القانون الحالي والقوانين السابقة تعتمد على أرجح الاقوال في مذهب الامام أبو حنيفه، وبغض النظر عن مناقشه المذهب الحنفى ومقارنته بالمذاهب الأخرى وأوجه الاختلاف، أقف هنا أن فلسفة اى قانون تعتمدعلى ثبات النص ووضوحه وتجرده..
فلسفة القانون
أى أن المحكمة تكون مقيدة بنصوص محددة وبمذهب معين، أما ترك الأمر على اطلاقه فسوف نجد أنفسنا أمام أحكام متناقضة لاختلاف توجهات القضاه في قضايا متشابهة لاختلاف المذاهب الفقهية في العديد من التفاصيل التي تصل إلى حد فسخ او بطلان عقد الزواج ذاته، وقبل أن يبدأ إذا حدثت خطبة لفتاة مخطوبة لآخر ولو لم تعلن رفضها أو قبولها لخطبة سابقة، فما بالنا بالمسائل الخلافية في نوعية الشهود وعددهم والمهر والهدايا وقيمتهم وحق اعادتها من عدمه إذا لم يتم الزواج وأركان عقد الزواج من الصيغة ذاتها وشكلها وزمانها وشروط الصحة والانعقاد لهذا العقد، والطلاق الذى قد يقع بلفظ محدد وبلفظ غير محدد عند مذهب آخر.. الخ من مسائل تحتشد بها المراجع والدراسات وكتب الفقه.
بالله عليكم ألا يعنى ذلك إننا سنغرق القضاء في خلافات فقهيه بعيدا عما استقر عليه من تعريف محدد وثابت بأن القانون قاعدة محددة ومجردة، وطبعا ستصدر أحكام متناقضة تشكل في النهاية صورة غير حقيقية عن العدالة!
رابعا، ألا يكون ذلك سببا للطعن في عدم دستورية هذا القانون الذى تلتزم بعض بنوده بالمذهب الحنفى ونصوص أخرى لمذاهب أخرى دون أن تكون هناك قواعد قانونية محددة بعد تركها لإجتهاد القاضي الشخصى والثقافات والتوجهات المختلفة التي ينأى القضاء ومنصته عنها بالالتزام بنصوص محددة وواضحة.
لكل هذه الأسباب وقبل أن ندخل في متن مشروع القانون يكون لزاما علينا أن نناقشه بعناية في حوار مجتمعى مدروس حتى يكون معبرا عن المجتمع وقابلا للتنفيذ بعيدا عن أى خلل جديد، وقبل ذلك علينا أن ندرس بعناية الأسباب التي أدت إلى زيادة نسب الطلاق في مصر في السنوات الأخيرة وما تبعها من آثار خطيرة على المجتمع المصرى.
وأخيرا لابد للمشرع أن يقف عند مسافة واحدة من كل أفراد المجتمع حتى لا تتهم فئة الآخرين بعدم المساوة، فالرجل ليس شيطانا رجيم والمرأة ليست ملاكا باجنحة والعكس أيضا صحيح.. والقانون مهمته الحفاظ على حقوق الجميع واستقرار المجتمع، فالقانون ليس نصوصا فقط ولكنه فلسفة ورؤية وعلاج.
فتاريخ الرجل والمرأة في مصر محتشد بالنماذج المضيئة والقيم والتقاليد التي كانت إلى وقت قريب ترى أن لفظ الطلاق مجرد ذكره عيب ومن المحرمات، نماذج للرجل الذى يكد لأولاده وعلاقة زوجية مغموسة ببحار العرق والكفاح من الزوجين.. من يذهب الآن إلى أى قرية مصرية ويرى بعينه أمهات أو سيدات اقتربن من الستين والسبعين والثمانين ومازلن يذهبن كل يوم للحقل كى يكن ظهرا وسندا للرجل الذى قد يكون الأب أو الزوج أو الإبن.
YOUSRIELSAID@YAHOO.COM