أحمد شقير.. رجل من مصر
جلس فى هدوء بجوار المريض متسائلا فى حنو مدهش عن صحته وحالته، استمع بإنصات العالم إلى ما ردده المريض، تبادل معه حوارا إنسانيا رقيقا خرج من حالة المرض إلى الشئون العامة. وقف الطبيب الإنسان وودع مريضه، بينما تسكن ملامح المريض الذى خرج منذ وقت قليل من غرفة العمليات بعد إجراء جراحة خطيرة فى المسالك البولية كل علامات الرضا.
مضى الطبيب إلى غرفة مجاورة بعد أن اصطحب الممرضة وحوله عدد من تلامذته، دخل على المريض الثانى: إيه الأخبار يا بطل؟.. يرد المريض بثقة العارف بطبيبه: الحمد لله. يشير العالم الجليل إلى أشعات فى يده ويبدأ فى الشرح لطلابه.. يتساءل الأولاد.. أولاد العالم الكبير عن تفاصيل علمية، والرجل يرد بهدوء ناقلًا كل خبراته لجيل سيتحمل المسئولية مكان أستاذه.
يتنقل أحد أهم نبلاء الطب بين أروقة المعهد الذى يعالج الناس بالمجان ليتفقد كل التفاصيل.. تفاصيل الإنسان، يعرف مرضاه وكأنه عاشرهم لسنوات.. يخرج بعد يوم عمل شاق إلى منزله البسيط. هناك، وعلى الطرف الآخر من حياة واحد من أهم أساتذة طب المسالك البولية، زوجة تعرف قدر زوجها، وأسرة صغيرة تلتف حوله فيما تبقى من وقت قبل أن يخلد إلى الراحة.
يستيقظ مبكرًا، يصلى الفجر ويعيد القراءة فى دوريات طبية ومراجع علمية، ثم يتوجه إلى الجامعة التى يقيم فيها محفلًا للعلم من أجل البشرية فى كل مكان. لا تتوقف مسئوليات الرجل عند حدود معمله ولا عند حدود محرابه العلمى ولا عند البسطاء من الناس.. بل تمتد لتصل إلى قمم رايات العلم فى العالم ليسجل اسمه بحروف من نور.
يصل فى العالمية إلى المركز التاسع والثلاثين فى تخصصه، ويصبح أيقونة تعرفها دُور العلم كما تعرف كل أبنائها.. علماء أخلصوا لله فأصبحوا على قمة العطاء. لا تتغير حياة العالم المصرى العالمى بما حصد من جوائز هنا وهناك، ويظل الأستاذ الدكتور أحمد شقير صاحب المناصب المتعددة فى جامعات مصر ومعاهدها ومستشفياتها.
عطاء ورحمة
يظل الأستاذ الدكتور أحمد شقير أستاذ الكلى والمسالك البولية فى جامعة المنصورة هو ذاته المواطن الأكثر بساطة فى محيطه.. بين المرضى هو الموصوف بالرحمة، وبين تلامذته هو المعروف بالعطاء، وبين الناس -كل الناس- هو واحد من الناس.
لم يضبط مرة متلبسًا بحب المال، كان ولا يزال أغنى الناس، يعيش فى شقته التى تزوج فيها منذ سنوات طويلة، ويملك سيارة أكثر بساطة ربما لم يغيرها منذ سنوات أطول. يعيش كما يعيش أي إنسان بسيط، لم تستهوهِ فكرة العيادات الخاصة، ولم يخطفه بريق الأموال، ولم تستميله فكرة الثراء بالمال، فهو كما هو، يؤمن بأن الثراء فى الاستغناء.
عاش كل مراحل عمره راضيا مرتضيا لا يتطلع إلى ما هو أبعد مما أعطاه الله، وقد أعطاه المولى من الغنى والثراء ما لم يعطه لغيره.. أعطاه حب الناس، وعشق العلم والإخلاص له.
عندما قرأت اسمه فائزًا بجائزة النيل عن عام ٢٠٢١م بحصوله على المركز الأول فى مصر، والأول فى أفريقيا، والتاسع والثلاثين على العالم، شعرت بدفقة من الإباء تمضى فى عروقى أنا المصرى.
والدكتور أحمد شقير فى غزواته العلمية، إنما كان محاربًا عظيمًا من أجل حياة أفضل للإنسان.. الإنسان بكل الألوان والأطياف.. الإنسان أيا كان موقعه، وأيا كانت طبقته.
صدق مع ربه فمنحه الله أعظم ما يمنح لإنسان، منحه العلم والرضا، ظل يدور حول محور العلم وفى محرابه، صنع معجزات منحها الله له فأصبح من هؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
تستطيع أن ترى على وجهه هيبة العالم وبساطة النبلاء.. بإطلالة عميقة يصل الناس ويرحمهم بعمله، ويجالس مرضاه كما يجالس أهل بيته، ويقضى فى معمله ما لم يقضه مع أسرته.
وأسرة العالم الجليل أحمد شقير اتسعت إلى خارج الحدود.. عائلته تمتد بطول الأرض وعرضها.. تدرس نظرياته فى جامعات العالم بكل ألوانها وأشكالها.
تحية إلى رجل جعله الله سببا فى حياة أناس كُثُر، فكأنما أحيا الناس جميعا.. تحية إلى عالم مصرى لم يسقط فى المعنى السطحى للثراء فكان ثراؤه رحمة لنا جميعا.