سوريا عربية بقرار صهيونى
قلبت رأسى لعلى أعود بها إلى اتزان كان قديما واحدًا من علامات النضج، ودون أن أنجح فى محاولاتى أعدت القراءة مرة تلو المرة، فربما كان المغزى الذى أقرؤه على غير ما فهمت. يقول الموقع الخبرى الصهيونى إن نتنياهو كان قد أعد خطة لإعادة سوريا إلى الصف العربى، وفق اتفاق يقضى مضمونه بأن تعود سوريا إلى الجامعة العربية مقابل إعلان بشار الأسد عن طرد كل القوات الأجنبية من بلاده.
الخطة الصهيونية تفرض حصارًا على طهران بطردها من دمشق، وتقول التفاصيل إن أبناء العم فى المنطقة العربية باركوا خطة الصهيونى القاتل نتنياهو.
أعدت «كنكة القهوة» إلى النار، ووضعت من البن الأسود الغامق ما هو أشد سوادًا من أيامنا هذه، وقلبت والنار تغلى فى رأسى أكثر من غليان رأسى المتعب بأفكار الماضى القريب.
اتفق نتنياهو مع عرب من جلدتنا على إعادة سوريا إلى البيت العربى، والمسمى جنونا جامعة الدول العربية، وقد وافقوا واتفقوا وبدأ نتنياهو فى عرض مشروعه على الأمريكان الذين باركوا أيضًا. وجاء رئيس الوزراء الجديد فى الكيان المحتل ليوقف مسيرة الخطة العربية الصهيونية؛ لأنه لا يضمن قدرة بشار الأسد على طرد الإيرانيين من بلاده، فما موقف العرب؟
الصهيونية والإنسانية
وافقوا أيضًا على إيقاف المشروع، ولم يعد فنجان القهوة ولا كل أكوابها قادرة على إعادة التوازن إلى رأسى المنهك بماض تليد أو هكذا كنا نتصوره. أعدت القراءة مرات ومرات، وقلبت بين مواقع أمريكية وأخرى غربية وثالثة صهيونية دون المواقع العربية المغيبة كما هى العادة التى اعتدناها فى معرفة ما يدور فى منطقتنا دون الوصول إلى معنى آخر يطمئن قلبى وقلوب أجيال عاشت على فكرة الصراع.
كنا نؤمن أن الصراع ليس صراع حدود، وإنما صراع وجود، فبتنا نرى عواصمنا العربية وقد اكتست بكل ما هو صهيونى قميء ومزعج وغريب وشاذ. كيف لرأسى أن تؤمن بالمضمون وعكسه، وكيف لقلبى أن يطاوعنى بعد أن قضيت معه سنوات العمر على يقين أن فلسطين عربية محتلة وأن الصهيونية هى عدو الإنسانية وليست عدو فلسطين فقط؟
كيف يمكن للإنسان أن يغير كل ما آمن به فى اللحظات الأخيرة من عمره.. كيف يتوب عن يقين ويسكن فى موضعه شك مبهم وحقير.. كيف للإنسان أن يقول لبنيه إن ما قضينا العمر من أجله أصبح سرابا ووهما وكذبا؟!
الجائزة الكبرى
وقبل أن أنتهى وتنتهى بى رأسى إلى جنون لا محالة دخل علىَّ حفيدى، تنهدت وأخذت نفسا عميقا، ووضعت أمامى خريطة أحتفظ بها فى مكتبتى، وقلت: اسمع بنى.. تلك هى خريطة بلدنا فلسطين، وقبل أن تولد وقبل أن أولد جاءت عصابات هنا من كل بقاع الأرض، وتكالبوا علينا وأخذوها دون أن نهرب.
وأضفت لحفيدي: يوما ما سيكون لك شأن ولجيلك القادم أو من يأتون بعدك، سيقومون بما لم نقم به، وسيحررون ما كنا سببا فى احتلاله، وسيعيدون الحق إلى أصحابه. إن عشتَ يا بنى كن معهم، وناضل وحارب وقاتل، فإن قُتلتَ فهى الجائزة الكبرى، وإن انتصرت فهذا هو الحق الذى أضاعه أجدادك، فلا تهادن ولا تناور.. قاتل ولو بسيف، ولو برمح، ولو بكلمة، المهم أن تقاتل.
وقلت -والطفل الصغير ترتسم على وجهه علامات الاستغراب-: تلك هى وصيتى ووصية كل من عاش على يقين بحق العودة وحق التحرر وحق الحرية وحق الإنسانية فى العيش بكرامة دون استسلام. ليس مهمًّا أن ينتصر جيلك، فالأهم أن تصل الرسالة إلى أولادك وأحفادك وبنى وطنك فى كل بقاع الأمة التى كانت عربية وتصهينت، وكانت صاحبة حق باعته فى سوق النخاسة، وكانت لها تاريخ أضاعته بالسقوط المروع فى مستنقع الخزى والعار.
واعلم حفيدى أننا لسنا دعاة قتل أو تخريب، وإنما دعاة حق، ومن أجل الحق لا بد أن نقاتل، وأن نحارب.. نحارب من أجل سلام يحفظ علينا عقولنا وعقائدنا وإيماننا.. قتال من أجل العيش بحرية أو الموت بحرية. ليس من شيم الأحرار أن يموتوا كمدا وغيظا أو أن يموتوا على فُرُش وثيرة، فالأحرار يموتون وقوفا وفى ميادين المعارك التى ترفض أن يُفرَض عليهم البيع مهما كان الثمن.