مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال (10)
المياه الجوفية تعتبر أشبه ما تكون بالقاتل الصامت، الذي يتربص بآثارنا القديمة؛ الفرعونية، والقبطية، والإسلامية، وحتى المقابر حديثة الإنشاء نسبيًّا. وما أكثر ما تعاني المقامات والأضرحة والمزارات، والمراقد، من طغيان المياه الجوفية، وإلى وقت قريب، كان مقام السيدة سكينة مهددًا بسبب تلك المشكلة، وحاليًا تعمل الأجهزة المختصة، على قدم وساق، للتخلص من المياه الجوفية، وخفض مستواها إلى الحدود الآمنة.
قبة السلطان الأشرف
ولا تزال قبة ومدرسة السلطان الأشرف خليل بن قلاوون، غارقة في بحيرة راكدة من المياه الجوفية؛ بصورة تبعث اليأس والإحباط في نفوس كل من يرى تلك المأساة.
تقع قبة الأشرف خليل في المنطقة التي كانت توجد داخل حدود مدينة القطائع في العصر الطولوني بالقرب من جامع السيدة نفيسة، وحاليًا شارع الأشرف امتداد شارع الركبية بحي الخليفة بمدينة القاهرة.
وقد شرع الأشرف خليل في بناء هذه القبة والضريح قبل أن يتولى السلطنة وهو وليَّ للعهد، ورتب بها درسًا للفقهاء ومقرئين للقرآن الكريم وخدامًا، والمعروف أن الأشرف خليل كان وليًا للعهد لأبيه السلطان قلاوون بعد وفاة أخيه الصالح علي بن المنصور قلاوون الذي كان وليًا للعهد، وتاريخ إنشائها يرجع إلى عام 687هـ/ 1288م، ولم يتبق من الضريح سوى القبة وبها قبر منشئها ولا يوجد أي تابوت أو تركيبة داخل ضريح الأشرف خليل.
مياه جوفية
الكارثة يكشف أبعادها الدكتور زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، قائلًا: إن المياه الجوفية فى المناطق الأثرية مشكلة عامة تعانى منها عدد من المواقع الأثرية، خاصة مياه المجارى التى تحتوي على نسبة أملاح عالية تؤثر على الآثار، وتؤدى لتآكلها.
تهدد المياه الجوفية والصرف الصحي معظم الآثار والمناطق الأثرية الإسلامية لوجود أكثرها داخل الكتل السكنية الشعبية التي تفتقر إلى أي تخطيط أو نظام عمراني يوفر لسكان تلك المناطق جميع الخدمات، وما يوجد بها من خدمات بسيطة تهالكت عبر السنوات الكثيرة التي مرت عليها دون صيانة أو معالجة، الأمر الذي انعكس على الآثار الإسلامية وجعل معظمها مهدد بالانهيار.
جامع الصالح طلائع
جامع الصالح طلائع بميدان بوابة المتولي في باب زويلة بقسم الدرب الأحمر، أحد أهم الآثار المهددة بسبب المياه الجوفية. ويعد جامع الصالح طلائع آخر الجوامع التي بنيت في العصر الفاطمي، ورغم أن الجامع فرغ من بنائه سنة 555 هـ (1160م)، إلا أنه لم يصبح مسجدًا جامعًا إلا بعد بنائه بنحو مائة سنة، حين أقيمت فيه أول صلاة للجمعة أيام السلطان المملوكي عز الدين أيبك 1250- 1257م.
أمر بإنشاء الجامع الوزير الصالح طلائع بن رزيك سنة 555 (1160م)، وكان وزيرًا للخليفة الفاطمي الفائز ثم للخليفة العاضد من بعده، ليدفن فيه رأس الإمام الحسين، ولكن الخليفة الفاطمي الفائز لم يمكنه من ذلك، حيث أشار عليه خواصه بأن رأس الإمام الشهيد يجب أن تكون في القصر، فأعّد له الفائز مشهدًا خاصًّا داخل باب الديلم أحد أبواب القصر الفاطمي، وهو المشهد القائم حاليًا.
جامع الصالح طلائع هو آخر الجوامع التي بنيت في العصر الفاطمي قبل سقوط الدولة الفاطمية بإحدى عشرة سنة.
ولن أنسى ما حييت، ما رأيته أثناء قيامي بتحقيق صحفي، منذ سنوات طويلة، في عرابة أبيدوس، بمركز برديس بمحافظة سوهاج.. حيث تحول معبد الأوزريون، الذي يعود إلى الملك سيتي الأول، أبي رمسيس الثاني، إلى مزرعة سمكية، بعد أن غمرت المياه الجوفية أجزاء كبيرة منه.. وارتفعت إلى 3 أمتار فوق سطح الأرض، مما دفع الخفراء وبعض القائمين على المعبد إلى الاستفادة من تلك المياه، وإلقاء زريعة سمك بها لتحويلها إلى مزرعة سمكية.
إلى هذا الحد تصل خطورة المياه الجوفية في مصر.. الأمر الذي يستدعي تدخلًا عاجلًا، وحلولًا غير تقليدية للأزمة.