مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال (8)
يتحسر قارئ التاريخ على ما واجهه الإمام الليث بن سعد، رحمه الله، في حياته، وبعد وفاته، وحتى الآن.. فالعالم الجليل عانى من التجاهل، وعدم الاهتمام من قبل تلاميذه، فلم يهتم هو بتدوين آرائه وفتاويه، ثم سار مريدوه على نفس الدرب، فلم يكلفوا أنفسهم عناء جمع تراث شيخهم، وأستاذهم العظيم، وتركوا آثاره تندثر. وفي أيامنا هذه نصرُّ على تدمير مابقي من تراث الرجل، وآثاره العظيمة.
ضريح الليث بن سعد
أولًا؛ أتحدى لو سألنا مائة شخص عما يعرفه عن الإمام الليث بن سعد، أن يجيب 10 منهم فقط إجابة صحيحة، فالكثيرون ينطقون الاسم "الليثي"، ولا يعرفون سوى رقم الأتوبيس الذي يتجه إلى تلك المنطقة المسماة "الإمام الليثي".
ثانيًا؛ لن تتمالك نفسك إذا رأيت منظر المسجد الذي يحتضن الضريح الطاهر، فالإهمال سمة غالبة على كل شيء فيه؛ بدءًا من السور المحيط بالمسجد، وانتهاءً بالباب الخشبي المغلق على المسجد، فهو مرتفع عن مستوى الأرض بضعة سنتيمترات، كفيلة بأن تعبر القطط، وتمر الفئران، كما يحلو لها من الشارع إلى داخل المسجد، والعكس!
هل من الصعب على وزارة الأوقاف أن ترفع العتبة قليلًا، أو تزيد طول الباب الأثري هذه السنتيمترات، لتمنع دخول القطط والفئران للمسجد؟! ولا تسل عن مظهر الساحة المحيطة، والقمامة والأتربة التي تغطيها، فضلًا عن كل ما يمكن أن يسمى مخلفات.
وبالطبع فإن المسجد، إن لم يتم تطويره بمنتهى السرعة، وترميم المئذنة والقبة، والأسقف، فإنه يمكن أن ينهار، ولو جزئيًّا، في أية لحظة.. وهذه استغاثة إلى الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف. بقي أن نعرف أن الإمام الليث بن سعد، قيل عنه أنه فاق في علمه وفقهه إمام المدينة المنورة مالك بن أنس، غير أن تلامذته لم يقوموا بتدوين علمه وفقهه ونشره في الآفاق، مثلما فعل تلامذة الإمام مالك.
فقه الإمام الليث
وكان الإمام الشافعي يقول: “الليث أَفقه من مالك إِلاَ أَنَ أَصحابه لم يقوموا بِه”. الليث بن سعد بلغ مبلغا عاليا من العلم والفقه الشرعي بحيث إِنَ مُتولِّي مصر، وقاضيها، وناظرها كانوا يرجعون إِلى رأيه، ومشورته.
وُلد الإمام الليث بن سعد في قرية قلقشندة بمحافظة القليوبية، وهو من أسرة أصلها فارسي من أصبهان. نشأ الليث بن سعد طالبًا للعلم، حريصًا على أن يتلقاه من الشيوخ والعلماء، فطاف البلاد كثيرًا لأجل هذا الأمر. وتلقى الليث العلم عن كبار شيوخه في مصر، وشهد الكثير من كبار العلماء والفقهاء للإمام الليث بن سعد، رحمه الله، بنبوغه وكثرة علمه وفقهه.
ومما كان يتميز به الإمام الليث بن سعد أنه كان ذا ثروة كثيرة، لكنه كان رغم ذلك زاهدًا وفق ما نقله معاصروه، فكان يُطعمُ النَّاس في الشتاء الهرائس بعسل النَّحل وسمن البقر، وفي الصيف سويق اللوز في السُكَّر. أما هو فكان يأكل الخبز والزيت. وقيل في سيرته: أنه لم تجب عليه زكاة قط لأنه كان كريمًا يعطي الفقراء في أيام السنة، فلا ينقضي الحَول عنه حتى ينفقها ويتصدق بها. رحم الله الإمام الليث بن سعد، ونظراءه، وهم كثر، في مصر.