رئيس التحرير
عصام كامل

عندما يختلف لصوص الأمم

تحت ضغط هذه اللحظة التاريخية ظهر كل ما تخبَّأ من العقل الغربي، سواء في القارة العجوز -أوروبا- أو في أمريكا الشمالية، إذ ظهر الخطاب العنصري الذي ينحاز للإنسان الأبيض ذي العيون الزرقاء، باعتباره الإنسان الحقيقي، أما باقي شعوب العالم فهم بشر من درجة أقل، فالأوكرانيون في ميزانهم مثلا ليسوا كالعراقيين والسوريين. 

 

وقد اتبع كل من أوباما وبايدن الوسائل نفسها التي تم تجريبها في العالم العربي كالربيع المشؤوم وذلك من خلال تفجير انتفاضات موجهة من الخارج يركب موجاتها نشطاء بلا خبرة سياسية يسهل تحريكهم والتحكم فيهم ويكررون نفس السيناريو، الغرب ثم روسيا يستخدمون رجالهم من داعش والمنظمات الإرهابية في حرب أوكرانيا، وكانت تركيا قد سبقتهم في استخدامهم في ليبيا.. 

 

وهم جماعات إرهابية مخترقة مخابراتيا، تستخدم في ميادين القتال -عند حاجة الممول ثم نلحظ  بايدن الأمريكانى يصف بوتن الروسي بأنه مجرم حرب فهل معنى ذلك أن مجلس الأمن الدولى أصبح يضم  عضوا دائما من أعضائه له حق الفيتو رغم كونه من مجرمى الحرب- وإذا تم التفاوض مع بوتن، فهل سيعد ذلك تفاوضا جائزا مشروعا مع مجرم حرب؟! 

 

ومنذ الحرب العالمية الثانية، شنت الولايات المتحدة أو شاركت في حروب في شبه الجزيرة الكورية وفيتنام وكوسوفو وأفغانستان والعراق وأماكن أخرى، وهي الحروب التي لم تسفر عن مقتل العديد من الجنود فحسب، بل تسببت أيضا في خسائر فادحة في صفوف المدنيين وخسائر في الممتلكات، ما أدى إلى كوارث إنسانية فادحة.

 

ازدواجية دولية

 

ففي عام 2003 غزت الولايات المتحدة العراق دون إذن الأمم المتحدة، ولم تصدر إدانة عن مجلس الأمن بسبب حق النقض الذي تتمتع به أمريكا، كما لم تكن هناك عقوبات جماعية فرضتها الدول حول العالم نتيجة العدوان الأمريكي، وعلي العكس عندما غزت روسيا القرم في أوكرانيا عام 2014 بدون موافقة الأمم المتحدة،  لم تصدر إدانة عن مجلس الأمن، وهذه المرة بسبب حق النقض الذي تتمتع به روسيا ومع ذلك، فٌرضت عقوبات أمريكية وأوروبية على الاتحاد الروسي  وفي سوريا ذهبت موسكو لمساعدة الرئيس السوري بشار الأسد من أجل إنقاذه من شعبه.


بينما تعزو روسيا الآن  أوكرانيا من أجل إنقاذ مواطنيها، الذين تدعي موسكو أن فولوديمير زيلينسكي اضطهدهم، وشردهم، وسجنهم، وفي عام 1967 غزت إسرائيل ثلاث دول عربية، وبعد ذلك طالبها قرارا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 ثم قرار رقم 338 بالانسحاب من تلك الأراضي وفقا لمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، ولكن إسرائيل لم تمتثل لذلك فحسب، بل أعلنت أن قطاعات من تلك الأراضي جزء من إسرائيل ولم تفرض أمريكا وأوروبا عقوبات على إسرائيل كما فعلوا مع روسيا بسبب غزو أوكرانيا..

 

وهكذا تساقطت أوراق التوت عن إنسان العالم الأول كما يحب الغربيون أن يطلقوا على أنفسهم، وكما أوهمونا وخدعونا سنوات طويلة، وانكشفت سوءاتهم التي لن ينجحوا مجددا في مداراتها، وسقطوا في امتحان الأخلاق، فأمريكا وحلفاؤها لم يطرف لهم جفن، ولم تهتز لهم شعرة وهم يرون أفراد الشعب الفلسطيني يقتلون بصورة يومية بدم بارد. بل وتستباح أراضيهم وتصادر أملاكهم وتهدم منازلهم ويقتل أبناؤهم، لا لذنب جنوه سوى أنهم يدافعون عن بلادهم التي ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي..

 

الذي هو الاحتلال الوحيد الذي ما زال باقيا حتى اليوم. ولم يبد الغرب اهتماما يذكر بمأساة الشعب الأفغاني الذي قاتلوه وحاربوه ودمروا مقدراته، وأعادوه مئات السنين إلى الوراء، قبل أن يقرر ساكن البيت الأبيض، فجأة ومن طرف واحد، سحب جنوده وعودتهم إلى بلادهم، وترك الشعب المغلوب على أمره ضحية للفقر والمرض والجوع.
 

كما كشفت الأزمة الأوكرانية التي يعيش العالم تفاصيلها هذه الأيام عن مقدار الازدواجية التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع قضايا حقوق الإنسان والكيل بمكيالين، وأكدت أن ما يردده الغرب عن أولوية حقوق الإنسان والمساواة، وجميع عهوده ومواثيقه الدولية في هذا الشأن لا تتجاوز كونها حبرا على ورق، وأنها مجرد أدوات تهديد ترفع في وجه بعض الدول لتحقيق مساومات سياسية رخيصة، والوصول إلى أهداف هي أبعد ما تكون عن تلك القيم الإنسانية السامية.. 

صناعة أمريكية

 

كذلك كشف الغرب عن نفاقه الشديد في كل ما يتعلق بالحريات العامة، مثل حرية المعلومة، وحرية الرأي، وحرية التعبير، وحرية الصحافة، وظهر أن ذلك كله مجرد أدوات يتم توظيفها لتحقيق مصالح غربية، وحين تم تهديد هذه المصالح تخلّت هذه الدول عن تلك الحريات، فتم فرض حظر على الصحف، وقنوات التلفزيون، التي لا تسوّق الدعاية الغربية.

 

كما كشفت الأزمة الأوكرانية أن كل وسائل العولمة هي في حقيقتها وسائل الغرب وأمريكا لتحقيق السيادة والهيمنة على العالم، وأن ما يعتبر وسائل محايدة قد أصبحت أدوات سياسية لعقاب الأعداء وإخضاعهم دون سلاح، فأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أدوات سياسية، وكذلك المنظمات الرياضية الدولية، والوسائط المالية العالمية.


ونشرت وزارة الدفاع الروسية وثائق سرية وأدلة دامغة تثبت تورط أكرانيا وأمريكا بصناعة ونشر فيروس كورونا في مختبرات بيولوجية سرية في الأراضي الأوكرانية. متهمة كييف بالتستر على آثار برنامج  بيولوجي عسكري تم تنفيذه في أوكرانيا وبتمويل من أمريكا. وفي نفس الوقت راحت روسيا تؤكد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر صناعة أمريكية مدبرة ولا علاقة للإرهاب الإسلامي بها..

 


وكانت الكارثة الكبرى حين أصبح الغرب المتحضِّر يقلد نهج تنظيمات خارجة عن أطر القانون الدولي ويحاربها العالم، حين دعت حكوماته وشرّعت برلماناته تشكيل فرق وفيالق من المتطوعين للقتال في أوكرانيا، وهؤلاء المتطوعون لا ينتمون للوطن الأوكراني، لكنهم مجرد جماعات مسلحة أوروبية مأجورة.. وكالعادة تُبدع هذه الدول في استخدام تسميات لإضفاء قبول على غير المقبول، ولصق شرعية متوهَّمة على مسلك لا يقبله القانون الدولي، إذ تمت تسمية أمثال هؤلاء المسلحين بـالفيلق الدولي، وليس المرتزقة أو الإرهابيين كتسمية أدق.

الجريدة الرسمية