الأمن الغذائى والجدل العقيم !
بينما نحقق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الخضر والفاكهة ونكاد نحقق الاكتفاء الذاتي في الدواجن والأرز، فإننا لا نحقق الاكتفاء الذاتي من القمح كما أعلن جهاز التعبئة والإحصاء مؤخرا، سوى نسبة ٤١ فى المائة فقط، وهى نسبة صغيرة.. فنحن من بين كل خمسة أرغفة نأكلها نعتمد في تدبير الدقيق اللازم لإنتاج ثلاثة منها على الخارج.. وهذا أمر يجب أن يقلقنا حتى نغير ذلك الحال، خاصة وأن رغيف العيش يتصدر موائد المصريين لأنه يعوض الأغلب الأعم منهم عن أنواع الغذاء الأخرى، خاصة اللحوم والدواجن والأسماك.
الاكتفاء الذاتي
لقد جاءت الحرب الأوكرانية لتبين لنا أن الإعتماد على الخارج في توفير احتياجاتنا من الخبز خطر، فهذه الحرب لم ترفع فقط أسعار القمح بمعدلات كبيرة، وإنما هى أربكت أيضا سلاسل توريدها، خاصة وأن كل من روسيا وأوكرانيا من كبار منتجى ومصدرى القمح في العالم.. صحيح أن روسيا أعلنت إنها ستوفر لمصر ما تحتاجه من القمح الذى تنتجه إلا أن الإرتفاع في أسعار القمح العالمية ستزيد من الأعباء المالية التى تتحملها الدولة المصرية ويزيد من الضغط على الجنيه المصرى واحتياطيات النقد الاجنبى، وبالتالى سوف يسهم في زيادة التضخم وأعباء المواطنين.
ولعل تداعيات الحرب الأوكرانية تحسم بشكل نهائى ذلك الجدل الذى ثار من قبل داخل البلاد حول ضرورة رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح، حيث كان هناك من يرون أن الأجدى لنا أن نتوسع في زراعة الفراولة وتصدرها للخارج وبعائد صادراتها نستورد ما نحتاجه من القمح.. فالخطر لا يكمن فقط في إرتفاع أسعار القمح العالمية وإنما يتسع ليشمل إضطراب سلاسل توريده أيضا، وهو ما يهدد بعدم توفره حتى مع الإستعداد بدفع سعر أعلى له.
لقد أعلن الرئيس السيسى عن التوجه بتخصيص الأراضى المستصلحة حديثا لزراعة القمح، وهذا توجه سليم ويحتاج أن يكمله إتخاذ ما يلزم من إجرءات للتوسع في زراعة القمح أيضا في الأراضى القديمة بعد تشجيع وتحفيز المزارعين على ذلك من خلال تحديد الحكومة أسعار توريد مناسبة منهم، وأيضًا من خلال العودة لنظام الدورة الزراعية.. وكفانا جدلا عقيما فيما يخص الأمن الغذائى المصرى.. فإن الفراولة لن تحقق لنا ذلك الأمن، مثلما السياحة لن تحقق لنا التنمية المستدامة، وإنما الأمم تنمو أساسا بالزراعة والصناعة وأيضًا التكنولوجيا.