حل البرلمان التونسي فجر الأزمة.. خلافات الإخوان الداخلية تزيد ضعف الجماعة في صراعها مع قيس سعيد
على نحو تصعيدي، قرر الإخوان في تونس عبر ـ حركة النهضة ـ كتابة فصل جديد من التوترات في البلاد وتفجير المشهد السياسي بإعلان الاستمرار في تنظيم جلسات جديدة للبرلمان التونسي المنحل، في محاولة لإلغاء قرارات الرئيس قيس سعيد بفرض الطوارئ وتجميد ثم حل البرلمان، ما يدفع الرئيس لإعلان حزمة جديدة من العقوبات وتوجيه اتهامات قضائية قد تنهي على الإخوان للأبد.
المثير أن حركة النهضة التي تستعد لفصل جديد من الصدام مع أعلى سلطة في تونس، تعيش أزمات داخلية خطيرة، وهناك انقسامات مدمرة حول استمرار راشد الغنوشي زعيم الإخوان الذي تجاوز الثمانيين من عمره ولايزال متمسكا بالسلطة، ولا تعرف النهضة كيف تنهي الصراعات الداخلية حتى تتفرغ للصدام الحاسم مع الرئيس.
منذ صدور قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، التي اتخذها في 25 يوليو من العام الماضي، وجمد البرلمان وفرض الطوارئ بعد سلسلة مع التوترات في البلاد، وحركة النهضة تتصاعد فيها الاضطرابات بشدة، ينخر السوس في صفوفها وينصرف عنها من القمة للقاع الكثيرين من مؤسسيها الكبار بسبب جمود الحركة وعدم قدرتها على التحرك وفقا لمعطيات أزمة الصراع مع الرئيس قيس سعيد، والتي يبدو أنها ستمتد طويلا حتى تقضى تماما على بنية النظام السياسي الذي تشكل مع فوران ثورات الربيع العربي وأسهم في تمكين النهضة من السيطرة على أغلب مفاصله، ولاسيما بعد إعلان الرئيس مؤخرا حل البرلمان ردا على محاولة إعادة جلسات مجلس النواب وإلغاء قراراته تمهيدا لعزله عن السلطة.
وعلى مدار الأشهر الماضية والأزمات تتصاعد داخل الإخوان بعد أن اتضح للقواعد الداخلية التباعد الكبير بين ما تعلنه حركة النهضة من شعارات، وما تدار به الأمور، وكيف تتحرك القرارات عبر دائرة صغيرة للغاية يرأسها راشد الغنوشي، والتي وتخرج غالبا بتوصيات ليست في صالح الحركة، ما يجعلها مع الوقت أكبر متضرر مما حدث حتى الآن في تونس.
أزمات فكرية وتنظيمية
يقول عبد العزيز الخميس، الكاتب والباحث أن الأشهر الماضية، كشفت النقاب عن أفكار وقناعات الحركة المليئة بالأزمات الفكرية والسياسية والتنظيمية، والتي لم تختلف عن غيرها من الحركات الدينية في عالمنا العربي، مردفا: قرارات الرئيس قيس سعيد بتجميد ثم حل البرلمان كشفت الحركة تماما وأوضحت تناقضاتها للشارع التونسي.
وأضاف: احتفال التونسيون في الشوارع ومساندتهم لقرارات سعيد ورفضهم التفاعل مع نداءات النهضة وأنصارها للاعتراض على السياسة الأحادية للرئيس في قيادة المشهد، يؤكد أن النهضة تعيش عزلة جماهيرية عميقة، ترتبت على تصاعد الأزمة السياسية الاقتصادية والاجتماعية الحادة طوال السنوات الماضية، وتفرغ الحكومات المتعاقبة لتمكين النهضة فقط وتعزيز سيطرتها على مفاصل الدولة بمعزل عن الشارع التونس وقضاياه.
وتابع الباحث: قبل قرارات قيس سعيد كانت حركة النهضة مطمئنة على وضعها السياسي في البلاد، واستندت على دعمها سياسيا وإعلاميا من الخارج في استمرار إحكام سيطرتها على تونس بعد أن سربت عناصرها وقياداتها إلى كل مفاصل الدولة.
الديمقراطية المفقودة داخل الحركة
يرى الخميس أن أكثر ما يربك الحركة حاليا ويجعلها غير مستعدة للتوحد في مواجهة الرئيس التونسي، أنها فصلت إعلاميا فقط بين الدعوة والسياسة خوفا من تبعات ما جرى للإخوان في مصر، ولهذا عجزت عن حسم مسألة الديمقراطية الداخلية، بعد تفجر الصراع الحاد بين جناح الغنوشي القديم، والجناح الشاب الذي سأم انفرادهم بالقرار والسلطة داخل الحركة، وتبعات ذلك من الصدام المدمر مع مؤسسات الدولة وكل مكونات المجتمع.
واختتم حديثه قائلا: خسر إخوان تونس امتحان الديمقراطية، والآن تتزايد الاستقالات والمواقف الغاضبة داخلها، ما يؤكد أن النهضة ستعيش خلال الفترات القادمة أزمة حادة غير مسبوقة في تاريخها، ولاسيما في ظل إصرارها على الصدام مع الرئيس، الأمر الذي يضعها في دائرة المسائلة القانونية، ولاسيما بعد أن جردها الرئيس سعيد من كل أسلحتها التشريعية والقضائية والمالية والإعلامية، التي هيمنت بها على المشهد السياسي التونسي طوال عقد كامل.