حصاد الناصرية الجديدة.. صراع مدمر على السلطة بالحزب.. وفشل تاريخي في تجديد دماء الفكرة وإنقاذ شعبيتها
من جديد عاد الحزب العربي الناصري لإثارة الجدل في ضوء انعقاد المؤتمر العام للحزب تحت لافتة «تجديد الدماء التنظيمية» واختيار قيادات ناصرية واعية ومدركة لأهمية وطبيعة المرحلة المقبلة في تاريخ البلاد.
لكن التجديد جرى في استعادة ذاكرة الصدام وإحماء الصراع بين قياداته وكوادره، دون الانتهاء إلى شيء ملموس وحقيقي يناسب التحديات التاريخية التي تحياها مصر، وقد تضع مستقبل الفكرة الناصرية في مهب الريح.
مخرجات المؤتمر العام للحزب
عقد الحزب مؤتمره العام بأحد فنادق القاهرة لاختيار منصب الرئيس والنائب وأمناء اللجان، ووقعت مشادات واعتراضات وجرى منع البعض من الحضور، لينتهي اليوم بإعلان الدكتور محمد أبو العلا القائم بالأعمال رئيس الحزب رئيسا رسميا للناصري، ورفض كامل للمؤتمر ونتائجه من الجبهات المعارضة له داخل الحزب.
سريعا خرج خطاب رسمي من الحزب ومكتبه السياسي موجه إلى لجنة الأحزاب السياسية يحذر من التعامل مع مؤتمر الدكتور محمد أبو العلا، واتهمه بمخالفة لائحة الحزب والقانون وأحكام القضاء، ليكتب الحزب تاريخ جديد من الصراع المدمر الذي ضرب واحد من أهم وأكبر الأحزاب السياسية في مصر وقادها إلى مصير مجهول منذ سنوات.
بما يطرح أسئلة معقدة عن سر انصراف قادة الحزب في وقت شديد الصعوبة إلى صراعات على السلطة، والانشغال بعيدا عن تحديد موقف واضح من المتغيرات السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، وطبيعة المرحلة التي رفع لواءها المؤتمر.
إرث الناصرية
وتعيش "الناصرية" بشكل عام أزمة عميقة على مستوى الإرث الفكري والسياسي والاقتصادي، وبحسب خبراء كان تجديد الناصرية أولى بالجهد الضائع داخل أروقة الحزب من الصراع على السلطة.
وتتهم الناصرية من معارضيها بإثقال ميزانية الدولة بالملايين من الموظفين، الذين أنتجوا بيروقراطية ضخمة دون تقديم خدمة حقيقية للناس، كما لا يعرف الحزب الناصري حتى الآن كيفية التخلص من ماضيه الاشتراكي والانتقال إلى نموذج مناسب للسوق الحر، مثلما اتجهت روسيا ودول أوروبا الشرقية وغيرهم من البلدان التي كانت ترفع لواء الاشتراكية خلال زمن حكم عبد الناصر لمصر.
انشغال قادة الحزب بالصراع الدامي على السلطة، زاد من تعرض الناصرية للقصف الممنهج من خصومها، إذ يقف ـ الممثل الشرعي للإرث الناصري ـ عاجزا عن المواجهة، ولا يعرف كيف يتحرك لتصحيح سمعة ما تبقى في الأذهان من مفاهيم عن القومية العربية والاكتفاء الذاتي العربي، والتعاون مع الغرب.
إذ تتوقف الذاكرة الناصرية حتى الآن عند شيطنة الغرب ونظريات الإمبريالية والاستعمار ولا تعرف كيف تتخطاها، مثلما فشلت الناصرية أيضا في تجديد مفاهيم العدالة الاجتماعية والتعامل مع الفقر والفقراء أبعد من نظرية تقديم الدولة دعم مطلق على جميع المستويات.
في نفس الوقت الذي تفشل في إيجاد آلية جديدة في التعامل مع الأثرياء بغير سياسات العصر الماضي، ولا تريد الاعتراف أنها كانت غير عادلة لبعض المصريين، فالبقاء في الماضي يعتمد على ساعة معطلة، وهي معضلة العقل الناصري حتى الآن.