دبلوماسية الحبوب تواجه الناتو
وقعت الواقعة وأصبح القمح سلاحا استراتيجيا بعد غزو روسيا لأوكرانيا أكبر مصدرين على الأقل للمنطقة العربية وتحقق في الواقع ما كان الأولون يحذرون منه بأن من يمتلك قوته يمتلك قراره، وفي الغرب يعتبرون القمح سفير اقتصاديا أفضل من طائرات القتال بل ويطالبون ب أوبك للقمح على غرار منظمة الدول المصدرة للنفط -أوبك- التي تتفق لضبط العرض والأسعار، وهم يمارسون ديبلوماسية الحبوب لتعزيز سيطرتهم علي الدول المستوردة، أو تبني بعض الدول المستوردة للقمح مرغمة لمواقف وقرارات تمليها عليها الدول المصدرة، منها سماح روسيا بهجرة اليهود منها إلى فلسطين مقابل تزويدها بالقمح.
أو الحصول على امتيازات سياسية، كما حصل عند امتناع الولايات المتحدة عن تزويد مصر بالقمح ما لم تسمح مصر للخبراء الأميركيين بالاطلاع على مصانع الصواريخ المصرية، فما كان من الاتحاد السوفياتي حينها إلا تحويل شحنة من القمح مستوردة لحسابه إلى مصر ويذكر التاريخ كيف استخدمت مصر القمح كسلاح عندما ضربت فرنسا النابليونية الحصار القاري على اقتصاد بريطانيا منذ نهاية عام 1806، وبعد عامٍ واحدٍ إمتد الحصار إلى البحار حيث جرت مطاردة جميع السفن المتجهة إلى الموانئ البريطانية، ليصبح الحصار برًا وبحرًا شديد الوطأة.
سلعة استراتيجية
وأظهرت سنوات تلك الأزمة، أهمية القمح كسلعة إستراتيجية. وبعد انضمام روسيا للحصار وهي أهم مركز لصادرات القمح ثم الدولة العثمانية، تم غلق المضائق والموانئ أمام التجارة الإنجليزية تقريبًا. وكانت مصر هي الجهة البديلة في صادرات القمح على مستوى عالم المتوسط. وقتها عرف محمد علي كيف يستغل القمح كسلاح إستراتيجي، وبخاصة مع اشتداد حاجة القوى الإستعمارية إلى القمح، ليفاتحها مرارًا وتكرارًا في دعم مطلبه الأثير بالاستقلال عن الدولة العثمانية. وقد عبّر عن ذلك قديمًا السياسي الفرنسي الكونت دي ميرابو (1749- 1791) بقوله "جميع مشاكل السياسة تخرج من حبة القمح".
وفي عام 1973 منع الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز البترول عن الغرب من أجل القضية العربية العادلة، فرد كسينجر وزير الخارجية الأميركي بقوله "سنعطيهم بكل قطرة بترول حبة قمح" وكان البعض يرى أن المساحات الشاسعة من الأراضى الزراعية فى السودان تكفى لإنتاج القمح لجميع الدول العربية وكان الساحل الشمالى فى مصر من أكثر مناطق إنتاج القمح فى العصور القديمة.
إن أزمة القمح الآن تتجاوز فى خطورتها أسعار البترول والسلاح، حيث عاد الإنسان مرة أخرى يبحث عن رغيف الخبز وقد لا يجده.. من سنوات بعيدة وهناك من يطالب بزراعة القمح، لأنه قضية أمن قومى وضرورة من أهم مطالب الحياة ولكن التخبط فى السياسات وترتيب الأولويات وضع الدول العربية الآن أمام أزمة حقيقية.. وكانت سفارات اوكرانيا في المنطقة قد طالبت البلدان المستوردة القمح منها دعمها بالسلاح والوقود والمساعدات المالية والإنسانية، والتخلي عن موقف الحياد من الغزو الروسي..
والمصيبة إنه من المغرب الى مصر تسجل نسبة الاستهلاك الأعلى في العالم حيث تبلغ 100 كلغ من القمح لكل شخص سنويا، وهذا يشكل ضعفي النسبة في الاتحاد الاوروبي وثلاثة اضعافها في سائر مناطق العالم مع الأسف تدفع نوعية التربة والمناخ وقلة المياه والنمو السكاني إلى إغراق هؤلاء في ارتهان مفرط للحبوب أما البديل عن أوكرانيا فهو الولايات المتحدة، إلا أن الفرق يكمن في أن الشحنة تحتاج إلى 25 يومًا من الولايات المتحدة.