إعادة صياغة العالم
من الواضح أن محاولات ترسيخ نموذج القطب الواحد فشلت، وبات تغير النظام العالمي لا رجعة فيه.
ويسعى اللاعبون الجدد إلى تأثير أكبر على العمليات العالمية والإقليمية، ويريدون بشكل مبرر مشاركة أكبر في اتخاذ القرارات الرئيسة.
وهناك حاجة لمنظومة عادلة وشاملة أكثر. لذا فإن ما نشاهده الآن علي الهواء هو إعادة تركيب الدنيا كلها وتوزيع القوة فيها، ومن الواضح أن النظام الدولي الجديد سيتمحور حول ثلاثية قطبية دولية تتشكل من أمريكا والصين وروسيا.
وقد تزامن الغزو الروسي لأوكرانيا مع دخولً السفن الحربية الصينية مياه تايوان الاقليمية، وفرض حصار بحري على الجزيرة، بعدما أكدت أنها جزء لا يتجزأ من الصين وهكذا فإن روسيا والصين يرسمان نظام عالمي جديد يقضي على القطب الأمريكي الأوحد وعلي تمدد حلف الناتو.. وكان معروفا أن الصين قوة صاعدة في النظام الدولي، وكان معروفا أن الولايات المتحدة آخذة في الانسحاب من العالم، وكان "البريكسيت" أول الإشارات إلى أن الاتحاد الأوروبي ليس كما يبدو عليه، كان العالم بسير نحو عالم ثلاثي الأقطاب، وعالم ما بعد الثورة العلمية الرابعة، وما بعد "كوفيد-19"..
إعادة توازن القوى
وما يحدث الآن في جزء كبير منه في صالح العالم فقد ظلت النظرية الواقعية في العلاقات الدولية تدعم مبدأ توازن القوة فهو صمام الأمان لإستقرار النظام الدولي، ما يعني ضرورة وجود دولتين أو أكثر على قمة النظام الدولي، تكبح كل منها قوة القوة أو القوى الأخرى، ما يضطرها جميعًا للتوصل إلى تفاهمات، والقيام فيما بينها بتسوياتٍ تؤدي إلى تقليص حدّة التوترات، وتكبح إمكانية تفجّر الصراعات في مواجهات وكان اختلال ميزان القوة بين القوى الرئيسية هو السبب وراء اندلاع الحربين العالميتين خلال القرن الماضي..
ولذلك كان رأي الكثير من السياسيين عندما انهارت ثنائية القطبية أن وضع النظام الدولي لن يعاود الاستقرار إلا بانتهاء حقبة أحادية القطبية الدولية سريعًا وعودة توازن القوى أساسًا لبنيان هذا النظام. خاصة بعد أن أعادت أمريكا النظر في كافة الاتفاقيات الأساسية حول الاستقرار الاستراتيجي. وقامت بنسف معاهدة الدفاع الصاروخي ومعاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى. وفي صف واحد مع هذه الخطوات، انسحبت من الاتفاق النووي مع إيران ورفضت تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي حول التسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ثم ان الغرب يقدم نفسه كمدافع عن الليبرالية، وفي الوقت نفسه، يتبع سياسة العقوبات وتضييق الخناق اقتصاديا والتهديدات العسكرية تجاه عدد من الدول، بما فيها كوبا وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية وسوريا. وربما كان المشهد الراهن مرتبطا بفترة الخلل الناجمة عن سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب في السنوات الماضية وهو ما دفع الصين وروسيا للبحث عن نظام دولي جديد أكثر عدالة وإصلاح المنظمات الدولية التي تأسست في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وسيطرت فيها الدول المنتصرة علي غنائم العالم وحصة الأسد في المنظمات الدولية كمجلس الامن والبنك والصندوق الدوليين..
ولم يكد العالم يطوى صفحات سوداء لحرب باردة دارت رحاها بين القطبين الأمريكى والسوفييتى منذ أواخر العام 1945 إلى نهاية العام 1991، حتى وجد نفسه على مشارف تراجيديا حرب باردة جديدة ثلاثية القطبية، تتنازع بطولتها أمريكا وروسيا والصين. وكان بويتن قد حذر قائلا: "لا حاجة لنا بعالم ليس به مكان لروسيا"! في إشارة إلي احتمالات إستخدام الأسلحة النووية، ويظل السؤال أين نحن مما يجري فإن الحكمة تقتضى عدم إنحياز أى من الدول العربية لأى من طرفي الصراع فلم ينحاز أى منهما لقضايانا المصيرية وآخرها السد الاثيوبي ومن قبلها فلسطين وليبيا والعراق وسوريا. والأهم أن نتحين الفرصة وتحويل الأزمة إلى فرصة.
