الناتو الجديد برؤية عربية
علي وقع الكلام عن حرب عالمية ثالثة والدور الذي يلعبه حلف الناتو في الأزمة الروسية الاوكرانية وإعادة إحياء الناتو بعد أن دفنه ترامب، بات من المنطقي إحياء فكرة الناتو العربي ولكن برؤية عربية وليست امريكية، والأقرب لذلك ما سبق أن طرح الرئيس عبدالفتاح السيسي بإنشاء القوة العسكرية العربية المشتركة، في مارس 2015، محاولًا خلق رؤية عربية جديدة وإيجاد تحالف يركز على التعاون في مكافحة الإرهاب، لكن ولي العهد السعودي أعلن رؤية سعودية في ديسمبرمن العام ذاته، ليعلن ما يسمى بـ «التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب».
وكان يمكن للمشروع المصري إحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك وكانت تلك القوة العربية تمثل ردعا لأي قوي طامحة في المنطقة بل وكانت ستساهم في توفير نفقات التسليح التي سقطت فيها المنطقة بسبب أطماع جيران العرب من فرس وأتراك وصهاينة.
ولم يكن المشروع المصري هو الأول ولكن سبقه أفكار مشابهة لم ترى النور وفشلت جميعا،لأن لكل حلف عسكري عقيدة وعدوًا ينشأ من أجله، غير أن العرب لكل منهم مآرب وعقائد مختلفة فمصر ترفض خوض أية حروب برية أو إستهداف إيران وحلفائها، ومثلها سلطنة عمان صاحبة العلاقات القوية مع إيران، والآن طهران أقرب لقطر من أشقائها الخليجيين، أما الكويت فعلى الحياد ومثلها الأردن.
تحالف عربي
وتعتبر حرب أكتوبر 1973 نموذج للتحالف العربي ”غير الرسمي” حيث شهدت الحرب تضامن ومساهمات عسكرية من العديد من الدول العربية. لكن معظم هذه التحالفات لم يكتب له الاستمرارية ولم تحقق الأهداف الاستراتيجية التي أنشئت من أجلها، لأسباب متعلقة بإرادة كل دولة من الدول المشاركة في التحالفات بناء على نصيبها من السيطرة. أما التحالفات التي تم تشكيلها من أجل أغراض وأهداف تكتيكية محددة فقد حققت نجاحات نسبية، مثل مساعدة بعض الدول لمصر في حرب أكتوبر أو التحالف الذي شُكل من أجل رد الغزو العراقي عن الأراضي الكويتية.
وظلت الأفكار تراوح مكانها حتي كانت القمة الإسلامية وظهرت فكرة تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي (Middle East strategic alliance) (MESA) في مايو 2017، أشير إليها على الهامش دون تفاصيل في إعلان الرياض الصادر عن القمة. وأيدت الدول الـ 55 المشاركة بالقمة الفكرة إرضاءً لترامب وحلفائه ليمر الاجتماع بسلام ويخرجوا بأي مكاسب من رعاة الفكرة، التي وصفت بالناتو العربي على غرار حلف شمال الأطلنطي. ولكن خفت الموضوع بعد طرحه، فالجميع لا يريد التورط في صراعات ترامب وتزامن ذلك مع تفجر اليمن.
وكان الرفض للفشل الأمريكي في تسويق المشروع خاصة وأن الجميع يدرك أحدث نظريات الحرب الأمريكية وهى عدم الدخول في مواجهة مع أى عدو لتدمير قوته العسكرية وإنما الهدف الاستراتيجى هو الإنهاك والتآكل البطىء.. يسلطون عليك دواعش ومرتزقة.. يشعلون الفتن بين السنة والشيعة.. يشغلونك من الداخل بطابور خامس ونشطاء ومعارضة غير وطنية وتشكيك إعلامى وإشاعات وحرب نفسية.. هذا ما أسقط الدولة عام 2011.
ذلك أن الأحلاف تنشأ للدفاع عن قيم ومصالح الشعوب، وهذا ما كفل النجاح والصمود لحلف شمال الأطلنطي، وما مزق محاولات استنساخه في حلف بغداد أوالحلف المركزي، وغيره من التحالفات المفتعلة في حقبة الحرب الباردة، بما في ذلك حلف وارسو الذي أقامه السوفييت، ليس لمواجهة عدوان غربي محتمل، ولكن لضمان بقاء شعوب أوروبا الشرقية في الأسر السوفيتي. إذن فليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل ما يصنع عنوانًا للعلاقات العامة يتضمن محتوى حقيقيًا..
وكان مفهوما أن الناتو الذي تريده أمريكا للمنطقة أن تلعب إسرائيل فيه دورًا مشروعًا ومعترفا به، حتى لا نقول دورًا قائدًا ورياديًا، قبل إنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية والعربية، وربما على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة.. هنا مكمن الخطر في الحراك الأمريكي، الذي كان يستهدف إعادة ترتيب خريطة الأولويات والتحالفات، ويجعل من إيران العدو الاستراتيجي للأمة العربية، ومن إسرائيل، الشريك والحليف تحت مسميات شتى.
ومن هنا كان يدرك الضمير العربي أن الفكرة في أصلها ومبتغاها -على هذا النحو- ليست إلا خطة للقفز فوق المشكلات الحقيقية دون أدنى جهد أو حتى التزام لحلها، أو وضعها على طريق الحل. صحيح أن تحالف الشرق الأوسط كقوة عسكرية متكاملة أمر صعب تحقيقه، وإن شُكِّل فسيكون سياسيًا وغير متجانس على الأقل وفقًا للظروف الحالية. ولكن لعل الله يحدث بعد ذلك امرا.