رئيس التحرير
عصام كامل

غطاء الثورة


نجحت 25 يناير، واختفى كل المتلونين تحت غطائها، وخرجت جماعة الإخوان أبعد التيارات عنها ومعها شقيقاتها لتحتل البرلمان والرئاسة، وتتصالح مع نظام مبارك وتكفر المصريين وتهدر أهدافهم وشعاراتهم وتدير ظهرها لأهالى الشهداء، حتى أتت 30 يونيو لتطيح بأغبى وأعنف نظام ينتمى إلى جماعة مسلحة تشرب العنف والإرهاب كالماء، قبل أن يستتر كثير من الرافضين لثورة يناير برداء أجهزة دولة شاركت فى "التمرد" على حلم دولة المرشد.


وكأن جيلاً وُلِدَ فى عهد مبارك قرر أن يفضح نوعيات وقطاعات لا حصر لدناءة وخسة تحيط يومياتها، فالآكلون على موائد مبارك-الإخوان قبل يناير تتكرر وجوههم على موائد مرسى-باكينام قبل يونيو، راقبوا أشباح الحوار الاتحادى وعودوا بالذاكرة إلى مائدة صفوت الشريف التى جمعت أشباه وأشباح أولئك وهؤلاء فى 2004، رداً على هجوم غربى على أنظمة تسعى للتبرؤ من صدام حسين وتجنب مصيره، ثم صراعها الهزلى برعاية بوليسية على مقاعد تشريفة عز وعزمى وسرور والشاذلى فى برلمان 2005، وتصدرها بعضها مشهد "شجار الصبية" المفتعل مع الأسطى "مبارك" على مقعد الرئاسة المحسوم سلفاً، وتواطؤ أغلبهم مع تعديلات مشوهة ل 34 مادة أزالت السند الدستورى الوجيه للعدالة الاجتماعية فى 26 مارس 2007.

ولأن دعوة البرادعى إلى إسقاط دستور مبارك، المفصل على مقاس الوريث المنتظر وقتئذ، جاءت مخالفة لمنطقهم كانت خطواتهم للخلف ليكون الزعيم الحقيقى كبشاً للفداء حال إخفاق محاولته، وتكون واجهته الدولية درعاً له إذا ما شهدوا على إعدامه، حتى إذا ما أصاب متصدرو المشهد الثورى هدفهم علت نغمة التخوين والعمالة فى مواجهته، رغم أنه الوحيد الذى لم يتخذ من الثورة غطاءً ولم يستفد منها لشخصه.

ذكرت من قبل، أن مخطط الأخونة ستقف أمامه مؤسستان بقوة، القضاء والجيش، وكلتا المؤسستين أسقطت الإخوان وحكم الجماعة المتعجرفة التى لم تدع على أرض مصر من لا يتشكك فى عقيدته أو دين شقيقه، وجاءت النتيجة منطقية أن صعدت 30 يونيو بشعب "متمرد" برفقة أجهزة داعمة لموقفه وحقه وحريته ونفسها، لكن غطاء الثورة يظل ستاراً مستمراً لمعتادى الخسة والدناءة، فيخطف أمثالهم بريق المتمردين وتختفى الأضواء سريعاً عن جيل لا يكف عن الثورة.

يحضر الإعلان الدستورى أشبه ب"برشامة" أو "ملخص مختصر" من دستور فاجر لإخوان المرشد، قبل أن يجرى تكليف "عجوز" متفق عليه بتشكيل الحكومة، وتستبعد وجهة نظر البرادعى مجدداً فى مستقبل "انتقالية" ما قبل دستور مصر المتمردة، مقابل احتمالات صعود وزراء فاشلين انتموا إلى حكومات سابقة والإبقاء على وزراء ذوى "ثقة" إخوانية من حكومة الجماعة، مراعاة لمشاعر حزب دينى لا يستطيع تحمل مسئولية شيء فى عالم السياسة أكثر من فانوس رمضان وطبلة المسحراتى.

غطاء الثورة يرجوه مجدداً متورطون فى جرائم ما بعد يناير 2011، ولا أقل من فقدان الذاكرة الثورية أمامها لتحل محلها الذاكرة "الوطنية" مجدداً فى مواجهة شعبية-رسمية لجرائم الإرهاب التى ترتكبها جماعة معزولة، لدرجة باتت معها الثقة متزايدة فى وجود السلاح وتخزينه للضرورة الحاضرة داخل منزل كل إخوانجى.

للثورة الآن غطاءان، غطاء على من يسعون لإهدار الحقوق بإعادة استنساخ وانتاج القمع ودسترته، وآخر على من يغيبون العقول بفهم ملوث للثورة كمصطلح وحدث ويزرعون فى رءوس أتباعهم فكرة وقوع "انقلاب" على رئيسهم الشرعى، وخطورة المشهد المصرى فى تقلبات أهل الهوى مرتزقة الفترات الانتقالية، هؤلاء لا تتعطل مصالحهم ولو بتصدير "حكم الميرى" مغلفاً بقليل من الديمقراطية، مقابل أشباههم على الجبهة الأخرى الذين لا مانع لديهم من توزيع "السلاح" على الشعب بدلاً من أكياس السكر والزيت، لسلب أصواتهم الانتخابية مجدداً فى معركة سياسية قريبة بلا مبرر، ربما يسطر فيها الرصاص إرادة الناخبين بدلاً من القلم.
الجريدة الرسمية