مفارقات مدهشة محزنة في الحرب الأوروبية
حين تنظر بإمعان فى المشهد العام للحرب الروسية الغربية، سوف يدهشك كم المفارقات، فمثلا تريد أمريكا ألا يخرج الرئيس الروسي بوتين منتصرا من هذه الحرب، لكنها لا توافق على القتال مع الجيش الأوكراني، لا هى ولا أي دولة أوروبية، وحظرت استفزاز روسيا، منعا للتصعيد. وهى ترغب فى رؤية أوكرانيا صامدة، مدافعة، لكنها لا تعطيها الطائرات المقاتلة الحديثة، بذريعة أنها لن تحدث الأثر الفارق في الحرب..
وعمليا فإن الطيارين الأوكران سيكون عليهم التدريب لفترة طويلة.. وحتى لما طلبت بولندا موافقة الناتو على تقديم طائرات الميج السوفيتية الصنع إلى أوكرانيا، رفضت أمريكا الطلب، خوفا من التصعيد واستفزاز بوتين.
ووافقت فقط على أسلحة دفاعية، تسقط الطائرات والدبابات الروسية لكنها لا تؤثر في ميزان القوى ولا في إحداث تغيير عسكرى على الأرض.
المعنى الوحيد لهذه الطريقة في إدارة الحرب مع روسيا من واشنطن هو استمرار تدمير أوكرانيا، واستنزاف روسيا.
زيلينسكى والناتو
تدرك أمريكا أن هذه حرب تتويج القطب الثاني ينازعها الحضور على المسرح العالمى، لذلك تبذل الولايات المتحدة جهودا عسكرية واقتصادية لإبقاء قيادتها للعالم. وكما أن الظاهر غير الباطن في هذه الحرب بالنسبة لكل من روسيا وأمريكا، فإنها كذلك بالنسبة للرئيس فلوديمير زيلينسكى، فهو يقدم نفسه بطلا قوميا، شجاعا، يرفض الفرار، وهو يحظى حاليا بحفاوة في الإعلام الغربي تذكرنا بعملية صنع صنم جديد، للزعيم العمالي ليخ فاونسا في بولندا، أول مسمار صلب فتاك في نعش الاتحاد السوفيتي.
يعرف زيلينسكي أنه يدمر بلاده، لكنه يواصل القتال بشعبه وجنده واستأجر مرتزقة، يمولهم الغرب، وهو يعرف أنه لن يفوز بهذه الحرب، لكنه يريد ألا يفوز بها بوتين أيضا، وهذا هو الهدف المشترك الوحيد بينه وبين الناتو.
ومن الملفت للنظر أنه في اليوم الثالث عشر من الحرب أعلن قبوله لما رفضه في الأيام الأولى منها. الأحداث تجاوزت قبوله عدم الانضمام في الناتو، فضلا عن أن الناتو نفسه رفض.. فقد وافق على مناقشة العرض الروسي بحياد أوكرانيا ووضع لوجانسك ودونتسيك الانفصاليتين وطلب من روسيا ضمانات أمنية.
موافقته هذه تعنى نزع سلاح أوكرانيا، أي إخلاء البلاد من التواجد العسكرى الغربي.. وهو في ذلك سيجد ألف سبب للنكوص، فالغرب يمده بأسلحة دفاعية، ويرفض القتالية، والغرب يرفض حظر الأجواء الأوكرانية أمام الطيران الروسي، بينما هو يلح يوميا، ويتهم الغرب بالضعف والخوف من روسيا.. وهو يمدح في يوم ويقدح في يوم آخر.. ومهما شكر الغرب، أو انتقده، فإن قواعد اللعبة لن تتغير: التحريض. التوريط. ثم عفوا نحن لا نحارب معارك الآخرين..
والعمليات مستمرة.. نتابع