حكيم السياسة.. أحمد الخطيب
تتساقط القامات العربية تاركة خلفها سيرة عطرة وصفحات مشرقة في تاريخ بلدانها، وآخر العروبيين الراحلين الدكتور أحمد الخطيب، أول طبيب كويتي وحكيم السياسة وجراحها الماهر، الذي تصدر اسمه "الميديا" ليومين بعد إعلان وفاته عن 95 عامًا، ف أحمد الخطيب صاحب قصة نضال وعطاء وطنية وإنسانية وطبية امتدت فصولها لأكثر من سبعة عقود، لذا يرى البعض إن كان علم الكويت من أربعة ألوان فإن أحمد الخطيب هو "اللون الخامس".
كانت آخر تغريدات أحمد الخطيب بمناسبة العيد الوطني وعيد التحرير، قائلا "لنستذكر دور الشعب وشهداء الكويت في الحفاظ والتمسك بهذا الوطن والدستور الذي التف عليه كل الشعب لعودة الشرعية للكويت".
ولد أحمد الخطيب العام 1927 وهو الشقيق الأصغر لرائد المسرح الكويتي الفنان عقاب الخطيب، درس الطب في لبنان وشارك هناك في تأسيس حركة القوميين العرب، عاد أحمد الخطيب إلى الكويت منتصف الخمسينات ليكون أول طبيب، ويبدأ رحلة مهنية إنسانية وسياسية كان خلالها معالجا لكل مريض وصوتا لمن لا صوت له.
بداية العمل السياسي
استكمل أحمد الخطيب دراسته العليا في أوروبا، واستقال من وظيفته ليتفرغ لعيادته الخاصة التي افتتحها في بناية قديمة بالعاصمة بداية الستينات، كان يستقبل مرضاه أطفالا وكبارا من الجنسين، مقابل رسم علاج زهيد، واشتهر بـ"إبرة" تشفي المرضى خلال ساعات معدودة، فهو استعان بالعلم لخدمة الشعب ولم يرهق كاهل المرضى لإيمانه أن الطب مهنة إنسانية لا استثمارية.
بدأ أحمد الخطيب، العمل السياسي مبكرا، واختير ضمن لجنة صياغة دستور الكويت، وناضل من أجل تضمين الدستور مبادئ ديمقراطية حقيقية، وشارك بعدها في المجلس التأسيسي وأول انتخابات برلمانية العام 1963، وفاز بالمركز الأول في الانتخابات البرلمانية العام 1965 ثم استقال لعدم رضاه عن بعض القوانين، ليشارك بعدها في انتخابات الدورات البرلمانية 1967 و1971 و1975 و1981 و1985 و1992.
خاض أحمد الخطيب معارك سياسية عدة وعاصر أزمات عاصفة، ولم يكن مقتنعا بدستور 1962، الذي شارك في صياغته ووافق عليه كونه مؤقت لإيمانه بأن الشعب مصدر السلطات ولا ينبغي أن تتحكم فيه سلطة، وحذر مبكرا من وجود عقلية تعتبر أن "الشعب ليس له حق"، مختصرا الأمر بعبارة "هم يفصلون واحنا نلبس". كما حذر الخطيب من نواب المصالح الشخصية والمال السياسي، لأن سلبيات الظاهرة تنعكس على النواب الشرفاء الذين أوصلهم الاقتراع إلى البرلمان.
مساندة حركات التحرر
يذكر التاريخ أنه أثناء افتتاح دور انعقاد مجلس الأمة، في 23 أكتوبر 1965، تعرض الأمير الشيخ عبدالله السالم، إلى وعكة صحية فهرع إليه أحمد الخطيب مُسعفًا في قاعة البرلمان ثم رافقه إلى بيته، وبعد إفاقة أمير الكويت من الإغماء وجد البرلماني الطبيب أحمد الخطيب إلى جانبه ليقول له الأمير: "رأيت الآن رجلًا آخر، صاحب موقفٌ إنسانيٌّ وحسٌّ وطنيٌّ، بخلاف ما نقلوه لي عنك".
آمن الدكتور أحمد الخطيب بالقومية العربية منذ الخمسينات، وكان له دور وطني وديموقراطي مشهود في الكويت وضمن حركات التحرر العربية، من خلال مواقعه في النادي الثقافي القومي ومجلة الإيمان التي أسسها، وقيادته المسيرات الشعبية رفضا وتنديدا بالعدوان الثلاثي على مصر، ودعمًا للوحدة العربية وتأييدا لثورة العراق، كما دعم ثورة الجزائر للتحرر من الاستعمار الفرنسي، وساند ثورة اليمن ضد الاستعمار البريطاني بقيادة الجبهة القومية، وساهم بتشكيل جبهة المشاركة العربية لمساندة الثورة الفلسطينية بداية السبعينات، وأسس في العام 1973 اللجنة الكويتية للسلم والتضامن، ونال عضوية مجلس السلم العالمي.
لعب الدكتور أحمد الخطيب، دورا وطنيا بارزا بداية الستينات عندما طالبت العراق بضم الكويت، فاستغل علاقته الطيبة بالرئيس جمال عبدالناصر، وسافر إلى مصر شارحًا وجهة النظر الكويتية وحث الرئيس المصري على الدفاع عن حق الكويت ومواجهة طموح رئيس العراق عبدالكريم قاسم، فاستجاب له عبدالناصر.
لم يهمل أحمد الخطيب، في ظل انشغاله بمساندة النضال العربي وحركات التحرر، قيادة المعارضة الكويتية سعيا لمزيد من حقوق الشعب، فأسس صحيفة "الطليعة" العام 1962، ونادي الاستقلال الثقافي الاجتماعي، بالتزامن مع نشاطه البرلماني المميز من خلال عضويته في مجالس الأمة الأول والثالث والرابع والسادس والسابع. كما أسس "دواوين الاثنين" منتصف الثمانينات إثر الحل غير الدستوري لمجلس الأمة، نتيجة التصعيد بين الحكومة والبرلمان وتقديم مجموعة استجوابات ساخنة للوزراء في يوم واحد.
ومع حل مجلس الأمة بمرسوم أميري، تعطلت الحياة البرلمانية ست سنوات، ونتج عن الحل تجمعات "دواوين الاثنين" المطالبة بعودة الحياة البرلمانية، ونزل أحمد الخطيب إلى الشارع منددا بمصادرة الحريات، وخاطب الديوان الأميري برسالة رفض فيها التحكم في الشعب، وبعد استئناف عمل البرلمان أعلن أحمد الخطيب اعتزال العمل السياسي في العام 1996 لسوء المناخ البرلماني وتفشي الفساد، كما حذر من العواقب الوخيمة لتلك الممارسات، وهي وجهة نظر صائبة تحققت لاحقا، ما يجعل الدكتور أحمد الخطيب علامة خالدة وقدوة للأجيال.