السوداني نموذجا.. لماذا فشل المشروع العلماني العربي في السلطة والمعارضة؟
خلال السنوات الماضية، كان التيار العلماني العربي الأعلى صوتا، خلت الساحة له تماما بتدمير مشروع الإسلام السياسي بداية من مصر، مرورًا بكل البلدان العربية، لكن التيار العلماني لم يستطع استغلال الفرص السانحة له، وعبر عن نفسه بالكراهية والسطحية واستدعاء معارك التاريخ بين الكنيسة والدولة في القرون الوسطى بأوروبا، ففشل في السودان خلال المرحلة الانتقالية التي تسيد فيها الحزب الشيوعي السلطة، كما فشلت التيارات العلمانية في كل البلدان العربية ولازالت تعارض الجميع بلا وعي أو هدف.
مشروع بلا هدف
يقول محمد أبو محمود، الكاتب والباحث السوداني، إنه رغم الدعم الكبير من المجتمع الدولى للمشروع العلماني بقيادة الشيوعيين وبعض الأحزاب المؤيدة لعلمنة السودان إلا أن دولتهم انهارت فى أقل من عامين على حد قوله.
لفت أبو محمود إلى افتقار التيار العلماني للقاعدة الصلبة التى تؤسس عليها الدولة متمثلة فى، الرؤية والرسالة الواضحة، ومن ثم الأهداف الاستراتيجية والبرامج والخطط وهذا ما قاله رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك.
أوضح الباحث أن التيار العلماني حاول فرض أفكاره على السودان، وسعى من أجل إقامة دولة علمانية تحت مسمى الدولة المدنية، لكنه سريعا استورد المعارك التى دارت بين الدولة ورجال الكنيسة فى العصور الوسطى الى المناخ الاسلامى السودانى فى محاولة لتحقيق النصر الذى حدث هنالك.
تابع: استوردوا المعركة لم يكن الإسلام طرفًا فيها لتحقيق انتصارات موهومة، دون وعى بالميراث الثقافى والشخصية الحضارية للمجتمع السودانى، مردفا: مشكلتهم الأساسية أنهم اعتبروا الحضارة الغربية ومقولاتها قياسًا لكل دين ومجتمع وحضارة.
تابع: فى مجتمع محافظ كالمجتمع السودانى الذى يقدس الإسلام يتولد لدى الشيوعين والعلمانيين إحساس بالعزلة الشعورية تنتج منهم تجمع انطوائي متمرد على كل العادات والتقاليد والقيم الأساسية للمجتمع، وكذلك الحال في كل البلدان العربية والإسلامية.
أضاف: جاءت وثيقتهم الدستورية تخلو تمامًا من ذكر أهم عوامل تمازج وتماسك المجتمع السودانى وهى الدين الإسلامي واللغة العربية، واتضح أنهم يسعون بجد لتجاوز اكثر من 1400 عام من واقع ترسخت فيه الثقافة العربية والإسلامية.
روح الانتقام والكراهية
أشار الباحث إلى أن العلمانيين تبنوا روح الانتقام والكراهية والتشفي وأثبتوا أنهم ضد التسامح والعفو مع أنه معلوم بالضرورة عدم إمكانية بناء حضارة أو أمة أو نهضة بالكراهية والعدوانية والتشفي والانتقام.
أوضح الباحث أنهم لم يتعظوا من الزعيم الإفريقي مانديلا، كرمز للتسامح من أجل بناء واستقرار جنوب أفريقيا، ولم ينظروا إلى تاريخ الزعيم المسلم على عزت بيقوفيتش كأفضل مثال يجسد السياسة الإسلامية بكل حكمة وجدارة حتى فى أحلك الأيام وأصعبها.
اختتم قائلا: فشل المشروع العلماني العربي بسبب فقره في المبادىء والرؤية الكلية والمنهج، والتى تمثل الأرضية الصلبة والقاعدة لبناء الدولة، والتي يجب أن تكون قابلة للإضافة والتعديل وعدم الاعتماد دائما على استيراد الحلول من الخارج، سواء فى معالجة المشاكل السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية والاجتماعية وحتى الدستورية والقانونية، على حد قوله.