أستاذ قانون يناشد مجلس النواب بتطبيق حكم حظر الإفتاء لغير المتخصصين
ناشد الدكتور فتوح الشاذلى أستاذ القانون الجنائى المتفرغ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية مجلس النواب التصدي لفوضى الإفتاء الديني، بتنفيذ مناشدة حكم القضاء الإدارى له بتجريم الإفتاء من غير أهله بإعتبار أن القاضى الإدارى والمشرع فى الصف الأول للقضاء على فتنة الإفتاء الدينى. وقال الدكتور الشاذلى فى بيان له اليوم انتشرت في مصر في السنوات القليلة الماضية فتاوى شاذة، يشيب من هولها وشذوذها الولدان، مثلها مؤخرا إنكار أحد الإعلاميين معجزة الإسراء والمعراج لرسول الإنسانية وقوله من قبل أنه لا يجد حكمة لصيام رمضان غير أنه قرار سيادى من الله، وفتوى لغيره عن جواز معاشرة الرجل جنسيا زوجته المتوفاة، أو فتوى جواز المعاشرة الجنسية للبهائم، أو التمتع بالأسيرات، أو إمكان زواج البنت أيًا كان عمره.
وفي فترات سابقة رأينا من أفتى بجواز إرضاع الكبير، وبحرمة تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، أو نعتهم بالكفار أصحاب العقائد الفاسدة. وغيرها من الآراء التي لا تتفق مع صحيح الدين، وتسئ إلى الأديان السماوية كافة، ومن شأنها إثارة الفتن بين المواطنين، كما أنها تقدم لأصحاب الفكر المتطرف والإرهابيين ذرائع لتبرير سلوكهم غير المشروع، من أجل ذلك أعدت لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب المصري مشروع قانون لتنظيم الفتوى، أرسل إلى الأمانة العامة للمجلس لمناقشته، ونأمل أن يرى النور قريبا، لأنه كما قيل على وشك الصدور.
لكن القضاء الإداري كان سباقا كعادته فى توجيه المشرع والمجتمع، بكافة فعالياته وسلطاته، إلى خطورة العواقب التى تترتب على فوضى الإفتاء، فقد اهتدينا إلى حكم صدر في سنة 2015 أصدره المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة،وأصبح نهائيا وباتا من الإدارية العليا عام 2022 يؤكد سبق القضاء الإداري المصري إلى تنبيه المشرع لضرورة تنظيم موضوع الإفتاء الدينى، ووضع الضوابط لترشيده، للحيلولة دون الإفتئات عليه، والتجرؤ على الدين والإدعاء عليه بما هو منه براء.
واستخلصت المحكمة أن الدستور والقانون حصر مسؤولية الدعوة والخطابة في الأزهر ووزارة الأوقاف، وعهد القانون إلى وزارة الأوقاف مهمة إدارة المساجد والزوايا والإشراف عليها بعد تسليمها وضمها إليها، وذلك ضمانًا لقيام هذه المساجد برسالتها في نشر الدعوة الإسلامية على خير وجه، وبهذه المثابة فإن ضم جميع المساجد والزوايا لوزارة الأوقاف وإشرافها عليها، يعد احترامًا لقدسية المنبر، وتطهيرًا لأفكار الدعاة، وصونًا لجوهر الدعوة الإسلامية، وتحقيقا لغاياتها.
وتأكيدًا من المحكمة لدورها التوجيهي الإرشادي الخلاق، الذي مارسه رئيس المحكمة القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة على مدى تاريخه القضائي الحافل، أشار الحكم إلى ما عاناه الوطن من جراء استخدام المساجد، وخاصة الزوايا، في استغلال البسطاء والفقر والجهل لجذب المؤيدين وتوزيعهم بين التيارات الدينية المختلفة، مما نجم عنه بث روح الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد. كما أكدت المحكمة على أنه لا يجوز استخدام منابر المساجد والزوايا لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو للدعاية الانتخابية، لما في ذلك من تعارض مع قدسية المسجد ووظيفته، والإضرار بالمصالح العليا للبلاد، هذا من ناحية.
وناشدت المحكمة المشرع بضرورة تجريم الإفتاء من غير أهله المتخصصين بدار الإفتاء، لأن شروط الإفتاء ليست بالأمر اليسير في الفقه الإسلامي حتى يمارسه العوام، وإنما هو أمر بالغ الصعوبة والدقة، يستفرغ فيه المجتهد وسعه لتحصيل الحكم الشرعي، الذى يقتدر به على استخراج الأحكام الشرعية من مآخذها واستنباطها من أدلتها، على نحو يشترط في المجتهد شروطًا للصحة فصلها علماء أصول الفقه، وهى لا تتوافر في عموم الناس من أدعياء الدين وطالبي الشهرة والظهور الإعلامى ومثيري الفتنة، والدين منهم براء. كما ناشدت المحكمة كذلك المشرع بتجريم استخدام منابر المساجد والزوايا لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو للدعاية الانتخابية، حتى ولو كان الشخص مرخصًا له بالخطابة، لأن استخدام الخطيب للمنبر في غير أهداف الخطابة والدعوة إلى الله، والانحراف بها في أتون السياسة، سعيًا لتأييد طرف ضد آخر، يجعله قد خالف شروطها.
وأشار إلي أنه مما لاشك فيه أن فوضى الإفتاء في مصر قد بلغت فى الأونة الأخيرة حدًا لا يمكن قبوله أو السكوت عليه. فمن الفتاوى ما يتناقض مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، ومنها ما لا يقبله العقل السليم أو الذوق العام أو الأخلاق الفاضلة، ومنها ما قد يثير الفتن والنزاعات بين أبناء الوطن الواحد. وقد دفعت هذه الفوضى شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب إلى المطالبة بضرورة الحجر على أصحاب الفتاوى الشاذة لإضرارها بالمجتمعات وأحالت جامعة الأزهر أصحاب هذه الفتاوى إلى التحقيق الإداري، وأوقفت بعضهم عن العمل مؤقتًا. كما قرر المجلس الأعلى للإعلام حظر استضافة بعض أصحاب الفتاوى الشاذة في وسائل الإعلام.
كل ما سبق يدخل في إطار ردود الأفعال الوقتية، التي لا تلبث أن تتلاشى بمجرد هدوء العاصفة التى أثارتها الفتوى المستهجنة، دون أن تحقق منعًا أو ردعًا لأصحاب هذه الأفكار الشاذة. ونحن نعتقد أن هذه الفتاوى ليست هي المرض الذي ينبغي مواجهته، لكنها مجرد عرض لمرض يعاني منه الفكر والخطاب الديني في مصر، وفي بعض دول العالم الإسلامي، التي تتمسك بالنقل من كتب التراث دون تمييز، على حساب إعلاء قيمة العقل والتفكير والتجديد. لذلك مع كل الدعوات المطالبة بوضع تشريعات لتنظيم عملية الإفتاء.
وتابع أن المحكمة وهي تناشد المشرع تجريم فعل الإفتاء من غير أهله، كانت حريصة على أن تهيب بالمؤسسات الدينية أن تعمل على الارتقاء بالمستوى العلمي للخطباء ورجال الدعوة الإسلامية، قطعًا للطريق على غير المتخصصين من اعتلاء المنابر وإصدار الفتاوى التي تجاوزها الزمان ولم تعد متفقة مع روح العصر، فلكل عصر مستجداته وظروفه التي تفرض على الارتقاء بالمستوى العلمي للخطباء ورجال الدعوة الإسلامية، قطعًا للطريق على غير المتخصصين من اعتلاء المنابر وإصدار الفتاوى التي تجاوزها الزمان ولم تعد متفقة مع روح العصر، فلكل عصر مستجداته وظروفه التي تفرض على من يتصدى للفتوى أن يكون مستوفيًا للشروط التي أشار إليها حكم محكمة القضاء الإداري، وفصلها الفقهاء الثقات فى مؤلفاتهم، كي لا يعيش المسلمون لقرون أخرى قادمة على هامش الحضارة الإنسانية أو في ذيلها.
وأكد على دور القاضي الإداري المبدع الخلاق، في توجيه نظر كافة سلطات الدولة إلى مواجهة الظواهر الاجتماعية التي تهدد المجتمع، قبل استفحالها وخروجها عن دائرة السيطرة. فهو لا يفصل في واقعة محددة هي أصل النزاع فحسب، لكنه يمارس دوره الاجتماعي الإرشادى التوجيهي، ومدى بصره لا يقتصر على الحاضر، بل يستخلص من الماضي دروسًا لمستقبل أفضل للوطن.